أثارت التسريبات المزعومة لقيادات عسكرية ومسؤول في الرئاسة تساؤلات واسعة عن دقتها ومصدرها وأهدافها ومدى تأثيرها على محاولات الحكم الجديد لتثبيت سلطته. لكن صعوبة الحصول على إجابات شافية عن هذه الأسئلة لم تدع سبيلاً إلى فهم دلالة ما جرى سوى محاولة قراءة السياق لتعويض غياب المعلومات.
وهنا يبدو توقيت نشر التسجيلات المفتاح الرئيسي لفهمها، بصرف النظر عن مضمونها الذي يصعب التحقق من دقته بصورة كاملة، بسبب التضارب بين النفي الرسمي المتوقع من جهة، وبين تأكيدات محاولات لجأت إلى صور الأقمار الصناعية لموقع احتجاز الرئيس المعزول محمد مرسي وأخبار رسمية قديمةقديمة عن مكان الاحتجاز من جهة أخرى.
فالتسريبات المزعومة تزامنت مع بدء النظام الجديد في تثبيت أقدامه داخلياً، سواء بتراجع تهديد «الإخوان» بعد فشل «انتفاضة الهوية»،أو بتفكك «تحالف دعم الشرعية» بانسحاب «الجبهة السلفية» ومعها حزب «الاستقلال» (العمل سابقاً) ليلحقا بحزبي «الوطن» و«الوسط»، أو بالضربات المؤثرة في سيناء التي شكا منها تنظيم «أنصار بيت المقدس» في بيانه الأخير.
كذلك جاءت التسريبات فيما يحقق النظام تقدماً في علاقاته على المستويين الإقليمي والدولي، سواء بالتهدئة المؤقتة مع قطر التي فرضتها المصالحة الخليجية- الخليجية، أو بنجاح الأخيرة الزيارة الأوروبية، أو بتعميق الانخراط في التحالف ضد «داعش» الذي بدا أن الأزهر سيلعب الدور الأبرز فيه على المستوى الفقهي، كما تخبرنا طبيعة توصيات مؤتمره الأخير ضد التطرف قبل أيام.
في هذا السياق، تبدو التسريبات محاولة واضحة للرد على هذا التحسن في أوضاع النظام بالتشكيك في شرعيته داخلياً وإحراجه خارجياً. ورغم أن جماعة «الإخوان» هي المشتبه به المعتاد في هذه الظروف، باعتبارها مستفيدة من تحقيق هذين الهدفين في إطار صراعها مع النظام، إلا أن مؤشرات عدة ترجح مسؤولية أطراف داخل النظام عن التسريبات المزعومة في إطار صراع أجنحة، خصوصاً مستوى الاختراق المطلوب الذي لا يتسق مع قدرات«الإخوان» المتراجعة.
أبرز هذه المؤشرات هو أن التسريبات جاءت في خضم تلاسن بين إعلاميي أجنحة النظام، خصوصاً بين محسوبين على الرئاسة والجيش من جهة ومحسوبين على شبكات المصالح التي أفرزتها سنوات رئاسة حسني مبارك من جهة أخرى. ولم تتوقف الملاسنات في إطار ردود الفعل على إسقاط التهم عن الرئيس المخلوع عند مستوى التراشق الكلامي، بل بلغت حد التهديد على الهواء بفتح «ملفات قديمة» بينها اتهامات بتجارة المخدرات!
بدا من هذه المواجهة أن سعي الرئاسة إلى احتواء الغضب من إسقاط التهم عن مبارك بالحديث عن قانون لمنع إهانة الثورة وعن «تأخر رحيل مبارك 15 عاماً»، أغضب جناحاً في النظام يضم شبكات المصالح المرتبطة بحكم مبارك وامتداداتها في الأجهزة والإعلام، ويرغب في مباركية بلا مبارك.
وربما أثارت التصريحات الرئاسية وقرار الطعن على الأحكام بحق مبارك ورجاله ورسائل التهديد الضمنية، إضافة إلى التوسع في الاعتماد على الجيش اقتصادياً، مخاوف جناح المباركية من تهديد مصالحه والتضحية به مع بدء استقرار الأوضاع نسبياً داخلياً وخارجياً، فجاء الرد بتسريب التسجيلات التي يصل عمرها- إذا كانت صحيحة- إلى بضعة شهور قضتها في أدراج أحدهم على الأرجح بانتظار اللحظة المناسبة.
الأرجح في ضوء هذه المؤشرات أن التسريبات الأخيرة جولة جديدة في صراع الأجنحة الذي بدأ مبكراً بالتخلص من «الجناح الديمقراطى» باعتباره الحلقة الأضعف، ممثلاً في محمد البرادعي وحكومة حازم الببلاوي. وإذا صح هذا، فقد يكون هدف هذه الجولة توجيه رسالة إلى رأس النظام لتذكيره بفواتير دعمه وبقدرة شركائه على جرح شرعيته، وهو ما يرشح المواجهة لجولات أكثر شراسة، خصوصاً بعد سكون غبار المعركة مع «الإخوان» وبدء الصراع على اقتسام الغنائم وتسديد الفواتير.
تويتر: @mohamedhani