x

أنور الهواري لماذا الأزهر الشريف؟ أنور الهواري الخميس 04-12-2014 21:32


ليس من الإنصافِ أن نقسو فى الحُكم على الأزهر الشريف، أو أن نُحمّله- وحده- سلبيات السائد من فكر مُنحرف وسلوك دينى سقيم، أو نُحمّله- بمفرده- مسؤولية اختراقه من قوى التطرف.

الأزهرُ ضحيةٌ ومسؤولٌ فى وقت واحد، وهو فى هذا الخصوص يتساوى مع غيره من مؤسسات الدولة والمجتمع، فنحن- جميعاً- ضحايا ومُذنبون فى آن واحد.

وعلى رأى المَثَل الشعبى: لا تعايرنى ولا أعايرك، الهمّ طايلنى وطايلك. نحنُ ننقمُ على الأزهر أن سكت على انتشار الجماعات الدينية، ونتغافل أن الدولة- بجلال قدرها- هى من ابتدع هذه البدعة الضالّة فى عهد الرئيس السادات، ولعبت ببعضها ضد البعض الآخر وضد المعارضة المدنية، وللمناورة مع الغرب فى عهد الرئيس مبارك، فكان الطبيعى أن تُفاجأ الدولة المصرية بأنها دخلت فى طاعة الرئيس مرسى شخصياً.

نعم، الدولةُ المصريةُ اخترعت لعبة الجماعات، وسمحت بها، وتسبّبت سياساتُها العقيمة فى انتشارها، حتّى وصلت هذه الجماعاتُ إلى حُكمها، وفجأةً جاء منها رئيس الجمهورية، والحزب الحاكم، ووضعت الدستور، وشكّلت الحكومة، وجاء منها رئيس الوزراء والوزراء، بل شكلت الوزارات السيادية الأربع بما فى ذلك وزارة الدفاع، إذ كان الإخوان يعتقدون أن اللواء عبدالفتاح السيسى أخٌ مُسلِمٌ قريبٌ من فِكرِ الجماعة، واختارت المُحافظين، والنائب العام، ورؤساء جميع المصالح على وجه التقريب. فهل يجوز للدولة أو لغير الدولة أن تعاير الأزهر بأنه غفل عن نفسه وترك الجماعات تنجح فى اختراقه؟!

بصراحة شديدة: مشكلة الأزهر ليست فى المناهج فقط، وليست فى تدنى كفاءة أغلبية طلابه فقط، وليست فى عُزلة أكثر مشايخه فقط، وليست فى ترهله الإدارى فقط، وليست فى فقدانه الحماس الصادق لأى قضية فقط، وليست فى كونه تحول إلى بيروقراطية دينية عقيمة أسوأ من البيروقراطية الحكومية الرديئة فقط، ولكنها- قبل ذلك وبعده- فى الدولة المصرية نفسها، فى رؤيتها الغائبة للمجال الدينى، فى رؤيتها الغائبة لحسم موقفها من اشتغال الهواة بالدعوة الدينية، فى رؤيتها الغائبة للإصلاح التعليمى الشامل بما فى ذلك التعليم الأزهرى، فى رؤيتها الغائبة للإصلاح الثقافى الشامل بما فى ذلك إصلاح الفكر الدينى.

بصراحة أشدّ: فوضى التعليم الأزهرى جُزءٌ من فوضى التعليم المصرى بأكمله، والدولةُ- وليس سواها- هى المسؤول عن هذه الفوضى. وكذلك فإن انحراف الثقافة الدينية جُزءٌ من انهيار ثقافى شامل، المسؤول عنه هو الدولة دون سواها.

دماغُ الدولة المصرية- منذ عقود- دماغٌ متواضعُ المستوى، دِماغٌ يكادُ- فى أحيان كثيرة- أن يكون فارغاً من أى مضمون له معنى حقيقى. دولةٌ يُرضيها أن تكون محدودة العقل، ترعى شؤون مواطنين محدودى الدخل، لايشغلُها أن تنافس غيرها من الدول فى ساحات الأفكار، ولايؤرّق ضميرها ما يستمتع به المواطنون- فى غيرها- من مستويات معيشية مرتفعة.

صَدّقونى: لن ينصلح حالُ التعليم العام، ولا حال التعليم الأزهرى، ولن تنهض لنا حركة ثقافية، ولن ينصلح حالُ الفكر الدينى، ما لم ينصلح دماغُ الدولة نفسها، ما لم يكُن للدولة نفسها دماغٌ عصرى غير دماغها القديم، وما لم يكن لها ضميرٌ معاصر غير ضميرها المستعمل الذى تلف من كثرة الاستعمال فى الشىء ونقيضه.

لا يوجد إصلاحٌ يجرى فى الفراغ، ولا يملأُ الفراغ إلا حضور الدولة، ولا يعبر عن الدولة إلا دماغُها، ولا قيمة لدماغ الدولة ما لم يكُن مُضيئاً، يُبيّنُ لها الطريق، ويُعينُها على أن تشرح لمواطنيها: إلى أين هُم ذاهبون؟!

دولة محمد على اختارت التعليم الحديث، وساقت المجتمع فى هذا الاتجاه، بما له وما عليه. دولة عبدالناصر اختارت إتاحة التعليم للجميع، ومشت فى هذا الاتجاه بما له وما عليه. دولة السادات- مبارك افتقرت إلى الرؤية، وتركت المصادفات والعشوائيات تقود خطاها فى مجال التعليم.

الرئيس محمد مرسى لم يتخرّج فى الأزهر، هو ناصرى المنشأ الاجتماعى: استفادت عائلتُه من قوانين الإصلاح الزراعى، هو ساداتى التعليم: حيث استفاد بالبعثة من جامعة القاهرة ليدرس دكتواره الهندسة فى أمريكا، وهو مباركى الوظيفة: حيث وصل إلى رئيس قسم فى كلية الهندسة جامعة الزقازيق.

فهل نموذج الرئيس مُرسى نتاجٌ لتعليم الدولة أم نتاجٌ لغياب الأزهر؟!

ويبقى السؤال: لماذا الأزهر الشريف؟!

الحديثُ مُستأنفٌ.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية