حُكم على مبارك ورجالاته بالبراءة، ولم تعد أيديهم ملطخة بدماء شهداء ثورة يناير، بأمر القضاء، ورغم ذلك إذا سألت كل أمهات وآباء شهداء هذه الثورة العظيمة، بلا استثناء، فلن تجد أى منهم يبرئ ساحة الرئيس المخلوع ورجالاته هؤلاء من دماءهم الطاهرة.
أحكام القضاء المصرى «الشامخ»، محصنة من التعليق عليها بالقانون، وحاشا لله أن نعلق عليها حتى لا نقع تحت طائلة هذا القانون، فقط قلوب وألسنة كل صاحب ضمير فى هذا الوطن، توجهت بالدعاء إلى ربها لينتقم من الظالم، وإن لم يعاقب فى الدنيا، فسينال هذا العقاب فى الآخرة، وهو أعظم.
سؤالان وحيدان، أريد أن أوجههما إلى قاضيا مبارك، فى محاكمته الأولى والثانية، بما أنهما حكما بحكمين مختلفين، الأول كان بالإدانة، والثانى بالبراءة.
روى عن رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، أنه قال القُضاة ثَلاثة: قَاضِيان في النار، وقاضٍ في الجَنَّة، قَاضٍ عَرَف الحقَّ فَقَضَى به فهُو في الجَنَّة، وقاضٍ عَلِم الحَقَّ فجَارَ مُتعمِّدًا فذَلِك في النار، وقَاضٍ قَضَى بغَيْر عِلْم واسْتَحْيا أن يَقول: إنِّي لا أَعلَم فهُو في النَّار.
المستشار أحمد رفعت، الذى حكم على مبارك، بالسجن المؤبد فيما يتعلق بقتل المتظاهرين فى المحاكمة الأولى، قال فى تصريح نقلته عنه وسائل الإعلام قبل النطق بالحكم فى القضية: «أنا أحكم من خلال الأسانيد والأوراق والبراهين.. والرأي العام لن يعفيني عند مقابلة رب كريم».
أما المستشار محمود الرشيدى، رئيس المحكمة التى برّأت مبارك، فقال فى تصريحات لصحيفة الوطن، إن الأحكام التى ستصدرها المحكمة هي نتاج عمل شاق استمر فترة طويلة، وصولاً إلى حكم عادل دون مراعاة أى أصوات أو ضغوط من جماعات أو قوى سياسية، وأن القاضى لا بد أن يكون مطمئن الضمير وهو يحكم، لذلك قرأت ملف القضية البالغ 160 ألف صفحة 7 مرات. وأكد: «لن أحكم فى القضية طبقاً لأهواء أحد ولا يهمنى إلا الله، عز وجل، فهو الذى يحاكمنا على إنفاذ العدل على منصة القضاء، لذلك أدعو الله طوال الوقت أن يلهمنى سواء السبيل فى الحكم، وأن يضع العدل فى قلبى وعلى لسانى، فكيف أخشى ردود فعل هؤلاء أو أولئك؟!».
سؤالى الأول، كلاكما يؤكد أن الحكمين جاءا بالأدلة والأسانيد والأوراق، وأنهما عادلين، وبما أن الحكمين متناقضين، فأين أنتما من تصنيف الحديث الشريف، وهل أنتما فى خندق واحد «قاض فى الجنة»، إذا ما سلمنا أن القضية تم تقديمها بشكل مختلف فى المرة الثانية عن الأولى، واختلفت الشهود وأقوالهم، وكذلك الإجراءات والثغرات القانونية التى تم إعدادها بإحكام لتصل إلى هذه النتيجة، أم أنكما فى خندقين مختلفين؟
فى نصيحة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، لأبى موسى الأشعري، عندما ولاَّه قضاء الكوفة قال:«القضاء فريضة مُحْكَمَةٌ، وسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فافهم إذا أُدْلِيَ إليك؛ فإنه لا ينفع تَكَلُّمٌ بحقٍّ لا نفاذ له، وآسِ بين الناس في وجهك وعَدْلِك ومجلسك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك. البيِّنَة على مَنِ ادَّعى، واليمين على مَنْ أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلاَّ صلحًا أَحَلَّ حرامًا أو حَرَّمَ حلالاً، ولا يمنعك قضاءٌ قضيته أمس فراجعتَ اليوم فيه عقلك، وهُدِيتَ فيه لرُشْدِكَ أن تَرْجِعَ إلى الحقِّ؛ فإنَّ الحقَّ قديم، ومراجعة الحقِّ خير من التمادي في الباطل. الفهمَ الفهمَ فيما تلجلج في صدرك ممَّا ليس في كتاب الله تعالى ولا سُنَّة نَبِيِّه، ثم اعْرِفِ الأمثال والأشباه، وقِسِ الأمورَ بنظائرها».
سؤالى الثانى، بما أن الحكمين مختلفين، وبما أنكما لا تتبعان سوى سبيل ربكما فى الأحكام التى تصدرونها، وتبغون رضاه، وتسألونه الإلهام فى الحكم على «مبارك»، فهل إلهكما واحد؟.