قالت الدكتور فائقة الرفاعي، مستشار المعهد المصرفي، ووكيل محافظ البنك المركزي، وعضو مجلس الشعب سابقا، إنها لا تمانع في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول علي قرض، بشرط أن يكون سعر الفائدة مقبولا، والشروط مقبولة، مضيفة، أنها تختلف مع كثيرين في هذه النقطة، لأنها ترى ذلك في مصلحة مصر في ظل وجود فجوة تمويلية تقترب في واحد من تقديراتها من 18 مليار دولار.
وأكدت «الرفاعي» في حوار مع «المصري اليوم» أنها تري أن أفريقيا حلم تنموي وحضاري لمصر وللعالم، مقترحة إنشاء جامعة مصرية في تنزانيا لخدمة احتياجات القارة، وإلى نص الحوار:
- ما هى دواعي التفاؤل والقلق للوضع الاقتصادي الراهن؟
من المؤكد أن مصر تمضي علي الطريق الأفضل رغم كل الصعاب بفضل وعي الشعب والحسم السياسي، وتأهب الجميع للتضحية من أجل مواجهة التحديات التي تمربها البلاد، فضلا عن أن القاعدة الاقتصادية المصرية المتنوعة السليمة تمنحنا الأمل في الانطلاق عند وجود الشروط اللازمة إلى جانب الرصيد الادخاري المجتمعي الذي ظهر جانب منه في اكتتاب قناة السويس، وفي ظني أنه يوجد أموال أكثر بكثير مما خرج من «تحت البلاطة» في سندات القناة الذي بلغ 27 مليار جنيه من بين الـ64 مليارًا حصيلة الاكتتاب.
أما دواعي قلقي، فتتلخص في استمرار موجة العنف والإرهاب، وحاجة الأمن إلى قدر كبير من الحسم، وضعف وتدهور مستوى التعليم، وعدم كفاءة الجهاز الحكومي البيروقراطي، وضعف العمل السياسي والأحزاب، وغياب دور الشباب واستمرار «الكربسة» في 6 إلى 7% من مساحة مصر، ولابد أن يكون لمؤسسة الأزهر الشريف، والمجلس الأعلى للثقافة دور قوى وإستراتيجي خلال الفترة المقبلة، لنشر برامج للتوعية الدينية والثقافية.
- ما تقييمك للإصلاحات الاقتصادية الأخيرة التي قامت بها الحكومة؟
بالطبع هناك إجراءات قامت بها الحكومة الحالية منذ توليها المسؤولية، توصلت بها الى حد كبير إلى حلول لمشكلات عميقة في مصر، ومنها قرار تحرير أسعار الطاقة التي لم تستطع الحكومات السابقة اتخاذه، خاصة أنه أزال عبء كبير من الموازنة العامة للدولة،كان لا يمكن الاستمرارية بأي شكل من الأشكال، ووجود الرئيس والحكومة المنتخبين كانا يدعمان توقعات بوجود سياسة اجتماعية إلى حد كبير، والكثير لم يكن يتوقع تحمل الشعب المصري قرار رفع أسعار الطاقة،لكنه حدث وتفهمه الشعب وأصبحت الأمور مستقرة عليه.
والحقيقة أن لدى ترقب بالنسبة للوضع العام، رغم بذل الحكومة جهود في شتى المجالات، في إنشاء مشاريع كبيرة عملاقة سيكون لها تأثير إيجابي كبير في السنوات القادمة، خاصة شق قناة السويس الجديدة، وإصلاح منظومة الطرق والاتصالات، ومشروع التنمية الزراعية واستصلاح 4 ملايين فدان.
بالإضافة إلى أن زيادة الانفاق العام على التعليم والصحة والبحث العلمي بواقع 10% ضمن مواد الدستور، يعد بداية جيدة حتى نصل للمستويات العالمية، آمل أن تتغير منظومة التعليم في مصر، ونصل إلى ما ننشده في غضون من 3 إلى 5 سنوات، ولابد أن من وجود إستراتيجية قومية قوية لتحقيق ذلك.
- وما أكثر المؤشرات الاقتصادية الراهنة التي تزعجك؟
المالية العامة بالطبع وتحديدا الموازنة، خاصة من حيث الموارد، والإنفاق، لاسيما أن الدولة لا تأخذ مستحقاتها الضريبية، وهناك حسابات معلنة وأخرى مخفية، فضلا عن تزايد معدلات التهرب الجمركى، إلى جانب الدين العام سواء الدخلي أو الخارجي تضخم بشكل خطير، وضرورة إعلاء المصلحة الوطنية، ودمج القطاع غير الرسمى في الرسمي، وتقسيم الأول إلى شرائح حسب الحجم، حتى يتم التنمية والتسويق والتعاملات مع البنوك وتحقيق النمو.
- هل يشكل انفاق 64 مليارًا على القناة الجديدة مع ذهاب مبالغ لاستيراد كراكات حفر وتكلفة فوائد الأموال ضغطا على المالية العامة والنقد الأجنبي؟
أنا سعيدة بما تم في ترتيب طرح شهادات استثمار قناة السويس الجديدة، خاصة أنها شهادات وليست أسهم، وأيضا لها مدة محددة بـ5 سنوات بعدها تعود الأموال للناس، والأهم مما ذكركتم هو أن نجهز من الآن مشاريع استثمارية عملاقة محددة لامتصاص مبلغ الـ64 مليارًا حين ترده الحكومة للأفراد بعد خمس سنوات.
في تصوري أن السيولة لدى البنوك لازالت مرتفعة ولم تتأثر بالطرح، وهناك لازالت أموال «تحت البلاطة» لا تزال مع المصريين، والتمويل المحلي متوافر لجميع المشاريع من جميع القنوات.
- تم استقدام بعثة من صندوق النقد لإجراء مراجعة للاقتصاد المصري في ضوء مشاورات المادة الرابعة ما رأيك؟
لو كان الهدف الانتقال فيما بعد إلى قرض فطبعا قرض الصندوق يعتمد على شروط، وأي أموال تأتي بشروط مناسبة من حيث سعر الفائدة وفترة السداد والسماح خير وبركة وأهلا وسهلا بها، وتوجهاتي إلى حد كبير تتفق مع توجهات الصندوق لإصلاح السياسات المالية والاقتصادية، وتختلف مع قطاعات في المجتمع، لكن لابد من عملها لأني أشعر أن كل جري طوال السنوات العشرين الماضية في الموازنة العامة للدولة، خربت الاقتصاد المصري، وخلقت تضخم غير مسبوق أدى إلى مزيد من الفقر وضعف القوة الشرائية للجنيه المصري، وبالتالي لم تفيد الطبقات الفقيرة والمتوسطة، لكن زادها فقرًا وهذه وجهة نظري، وإصلاح الموازنة مرة واحدة يكون مؤلم حقيقة لكنه مفيد، لكن على أسس صحيحة، والانتظار يفاقم المشكلة.
والهدف من بعثة الصندوق المنتظرة الحصول علي شهادة بسلامة الاقتصاد لإعلانها على من سيشاركون في القمة الاقتصادية المقبلة، وأنا أرى أننا لانحتاج هذه الشهادة لأن الدولة المصرية والشعب المصري قد اكتسبا بالفعل هذه الثقة، وجعلا العالم كله يحترم ما قمنا به في 30 يونيو، ونحن نلمس كل يوم كيف تزداد هذه الثقة في الأوساط المختلفة.
لكن ما نحتاجه هو المساندة المالية من الصندوق من خلال برنامج للحصول علي قرض، شرط أن تكون فائدته مقبولة لنا، وكذلك شروطه وأعرف أن الكثيرين يختلفون حول هذا لكني أتصور أن من حقنا أن نستفيد من مصادر التمويل المختلفة لسد الفجوة التمويلية القائمة، والتي تصل حاليا حسب أحد تقديراتها إلى نحو 18 مليار دولار لكنها يمكن أن تكون اكثر لو سعينا إلي معدل نمو أعلى.
إذا أصحلنا الموازنة العامة للدولة، تبدأ السياسة النقدية تلعب دورها بجانب السياسة المالية، إلى جانب تغيير قانون المعاشات، وإصلاح الجهاز الإداري للدولة، ومواجهة البطالة المقنعة به.
- هناك أحاديث داخلية وخارجية عن مزاحمة شركات عسكرية للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي؟
أداء الجيش كما لمسنا في مجالات اقتصادية منضبط وتكلفته أقل وفيه التزام بالتوقيتات والتزام بالنتائج المحددة سلفا، وهناك إمكانيات كبيرة لدى الجيش، من غير المنطقي ألا يتم استخدامها و«ياريت الباقي كله يشتغل بنفس المعايير».
نحن نحتاج إلي عمل كل الجميع لنحقق معدل نمو 6% أو أكثر، وكلما زادت استثمارات القطاع الخاص الوطني والأجنبي ستتراجع نسبة مساهمة الجيش في النشاط بالتأكيد.
- ما توقعاتك لاتجاهات سعر الصرف في المدي القصير والمتوسط؟
قد لا يحدث تحسن كبير في سعر الصرف حتي عام ونصف، صحيح ستأتى استثمارات أجنبية ومعها دولارات، ولكن في المقابل ستزداد الواردات من الخارج من المستلزمات والخامات لتغطية ما تحتاجه الاستثمارات، وبالتالي فأثرها الصافي علي سعر الصرف سيكون محدودًا والأكثر فاعلية هو زيادة التصدير والنمو.
- هل توافقين علي إصدار سندات دولية في الأشهر المقبلة؟
أن لا أوافق علي هذا التوجه، وإذا كان هناك أجنبي يطلب الأوراق المالية المصرية فليشتر أذون وسندات الخزانة التي تمنح عائدا مرتفعا وليتحمل بعض المخاطر المرتبطة بها، وأنا لا أفهم أن يطلب الأجانب السندات الدولية التي يفترض أنها تنطوي هي الأخرى علي مخاطر في ظل ضعف تصنيف مصر، وفي المقابل لا يقبلون علي شراء الأذون والسندات، أيضا فإن من يطلب شراء سندات دولية أمامه كذلك فرص استثمار قوية بمصر ولها ربحية أعلي من جهات كثيرة فليدخلها.
- تذكرين أن الأجانب خرجوا بعد يناير 2011 بأكثر من 11 مليار دولار استثمارات في الأذون والسندات وبسعر صرف منخفض، ما تقييمك لهذا الإجراء؟
لقد خسرنا كثيرا في هذا الخروج مع سعر الصرف الذي خرجوا به،وكان يدور حول 5.60 جنيها للدولار، ولكن ربما كان هذا حتميا للحفاظ على ثقة الأسواق الدولية في قدرة مصر على الالتزام بحرية دخول وخروج رأس المال.
- هناك اختلاف حول تأثير السياسة الضريبة على الاستثمار والأجنبي منه خاصة، ماذا تقولين؟
أساند تصاعدية الضريبة، وأرى أن ضرائب بواقع 32% في الشريحة الأعلى لن تكون طاردة للاستثمار كما يقولون، وأن دفع فئات ضريبية أقل هنا ليس ميزة للأجنبي لأنه سيدفع الفارق في بلده، وما يهم المستثمر أكثر هو وضوح التشريعات، وعدم تبديلها بسرعة وتقليل الإجراءات وتحديد الفرص وداراسات الجدوى بشكل لا إلتباس فيه، إلى جانب تحسين مناخ البيروقراطية، بالإضافة إلى إصلاح قوانين الاستثمار والعمل والملكية للأراضي والايجارات، مع الحفاظ على الملكية لمصر والمصريين.
- ما حدود الرهان على مزيد من المساعدات الخليجية من وجهة نظرك؟
ما تم تقديمه كان مهما ولكن لنسأل أنفسنا: هل الخليج مستعد أن يظل يساعدنا بلا شروط؟. لن أجيب لكن أشير إلى أن علينا القيام بما يجب القيام به من إصلاح التعليم والصحة وتأكيد العدالة الاجتماعية، وتوسيع المعمور المصري إلى 15% من مساحة البلد حتى 2025، وتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة بشكل جاد والقضاء على الفساد بتحسين نظم الأجور والمعاشات إلخ، وبطبيعة الحال فأنا من أشد المناصرين للتكامل العربي الاقتصادي، لكن ذلك أمر يختلف عن المساعدات.
- أصدرتي مؤخرا كتابا باسم «الحلم الأفريقي»، ما تقييمك لفرصة مصر في إعادة تأكيد دورها في أفريقيا، وفي تعظيم العلاقات الاقتصادية وغير الاقتصادية مع القارة؟
اهتمامي بأفريقيا قد يبدو مفاجئا للآخرين، كما قالت لي مؤخرًا الوزيرة السابقة الدكتورة فايزة أبوالنجا، لكنني بدأت الاهتمام بها منذ نهاية الستينات حين كنت أدرس في جامعة «ييل»، حيث كنت مساعدة لأستاذ يعد دراسة عن غانا من جميع الزوايا ما فتح عيني على أهمية القارة، والمهم أن مصر يمكن أن تلعب دورًا أقوي بكثير في «النيباد»، الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا، أو من خلال العلاقات الثنائية والعلاقات مع التجمعات المختلفة بالقارة، وأول ما يجب عمله التواصل الشعبي والفني مع دول القارة والمجتمع المدني بها، وأنا أتصور مثلا أن إقامة حفل لفنان مثل محمد منير في دول حوض النيل تباعا مع إخراج جيد له سيكون مؤثرا للغاية مع تخصيص الإيرادات لأعمال خيرية، إلى جانب أنه يمكن إقامة حفلات لفرقة أسوان للفنون الشعبية، نحتاج أن نؤكد لهم أننا أفارقة وأننا نعتز بذلك. واقترح إنشاء جامعة مصرية في تنزانيا لخدمة أفريقيا بها كليات زراعة وطب وطب بيطري وغيرها، وقد اهتمت الدكتورة فايزة أبو النجا، والدكتور حمدي زقزوق، وزير الأوقاف السابق، في قترة بذلك، ونجحا في الحصول على أرض من تنزانيا لإقامة مركز إسلامي وغيره، لكن التأخر في استغلالها كاملة خلق مشكلة وأمل أن نعمل علي تسويتها وإحياء مشروع الجامعة مرة أخرى.
- لكن هل أفريقيا تختلف من منطقة إلى أخرى؟
نعم تماما ولذا أنصح بأن تركز مصر علي مجالات محددة للتعاون حسب كل منطقة في القارة، ففي الوسط الأفريقي حيث تكثر المعادن والمناجم يجب أن نتعاون في عمليات الاستخراج والتصنيع وحسن الاستغلال، وفي الغرب الأفريقي نجد الثقافة الفرنسية سائدة، ولدي مصر نخبة ثقافية قوية تجيد الفرنسية، ولذلك يمكن أن نركز على الفنون والآداب والترجمات في دخلونا لهذه المنطقة.