شاءت الظروف أن أشاهد بالصدفة إعادة حلقة العاشرة مساء التي أذيعت يوم الأحد الماضى وكان ضيف وائل الأبراشى الدكتور محمود شعبان (المشهور بـ«هاتولي راجل» التي روجها باسم يوسف). لم أتعرف على الشيخ للوهلة الأولى، فلقد تغير قليلا بعد أن تخلى عن نظارته الطبية التي تحطمت في التحرير، ووجد أنه من الأفضل إجراء عملية ليزك تحسبا لأى مشاجرات قادمة.
الحلقة كانت أشبه بمباراة الإسكواش، يقف فيها د. محمود شعبان كحائط ومرمى للكرة التي يقذفها عدد كبير من الخصوم الأقوياء عليه، لا يجمع بين اللاعبين سوى عامل مشترك واحد كراهية محمود شعبان بما يمثله من آراء تحض على العنف والإرهاب.
ذكر الإبراشى في بداية الحلقة أن شعبان محول لمجلس التأديب من قبل رئيس جامعة الأزهر وممنوع من السفر فهو مطلوب من العدالة، من اللحظة الأولى للقاء تشعر أن أهداف المحاور والضيف مختلفة تماما، فالأول يريد أن يسقط الأقنعة عن شخصيات تدعى أنها لا تنتمى لجماعة الإخوان ولكن لها نفس الأفكار الإرهابية الهدامة (وأتصور طبقا لرؤية الإبراشى أن محمود شعبان منهم) والثانى جاء ليدافع عن نفسه، نافيا التهم الموجهة إليه ومعه ملف به أوراق وكتب وغيرها من أدلة الإثبات من وجه نظره.
محمود شعبان كان له شرطان ليظهر مع الإبراشى، ألا يكون معه ضيوف وعدم السماح بمداخلات تليفوينة، التزم الإبراشى بالشرط الأول وتجاهل الثانى، فأعطى الفرصة لسبعة: وكيل وزارة الأوقاف بالدقهلية على ما أذكر ثم المحامى سمير صبرى ثم وزير الأوقاف، محمود بدر مؤسس حركة تمرد، ضياء رشوان نقيب الصحفيين والإعلامى مفيد فوزى ود.جمال زهران الذي انسحب شعبان من الاستديو أثناء مداخلته التليفونية.
جميع المداخلات كانت تمثل معارضة لشعبان، ولم يحاول الإبراشى أن يقدم تنوعا في وجهات النظر، وهذا موقف لا يخدم إعلاما يريد أن يحقق التوازن والحيادية ولو ظاهريا.
مباراة الإسكواش، جعلتنى الاحظ أمورا غاية في غاية الأهمية، ليس منها الحكم على الشيخ محمود شعبان فهذا الأمر مرجعه للقضاء الذي لا يشك جميع المتحدثين في مداخلتهم من نزاهته واستقلاله وهو ما يردده الجميع في كل المناسبات واحنا خلاص مصدقين إن أحكام القضاء خط أحمر وتحته شرطتين .
أعود لملاحظاتي عما حدث أمامى على الشاشة، المداخلات التليفونية بدا فيها صوتين، صوت ديني يمثله وزير الأوقاف والوكيل، وصوت مدنى تحدث به الآخرين.
وزير الأوقاف ووكيل الوزارة خاطبا الشيخ محمود بالكتاب والسنة، حجة أمام حجة وبلاغة أمام بلاغة، الثلاثة علماء دين ومن حفظة القرآن الكريم، ويعتبرهم العامة فقهاء ويطلبون منهم الفتاوى فيما يخص أمور دينهم ودنياهم.
وانا استمع إليهم تصورت أننى عدت عدة قرون للخلف وكأنى أشاهد الفتنة الكبرى وشقاق المسلمين حول من أحق بالخلافة سيدنا على أبن أبى طالب أم الصحابى معاوية بن أبى سفيان، وذهلت من وصف وزير الأوقاف للشيعة بالكفر حين أراد أن يقيم الحجة على د. محمود شعبان وكيف أن الرئيس المرسى الذي يؤيده شعبان كان سيسمح لهم بدخول مصر، وأزاح محمود شعبان هذه التهمة الشنيعة عن نفسه منكرا موافقته على ذلك.
نفس الفصاحة تحدث بها وزير الأوقاف وشعرت ان كلا من الطرفين يستخدمان علمهما الواسع والتبحر في الدين لأغراض سياسية، وكلا الطرفين لا يعرف تأثيره على المشاهد الأمى أو بسيط الثقافة، من سيصدق د.محمود شعبان الأستاذ المساعد بجامعة الأزهر؟ الذي وصف نفسه بأنه سلفى وليس إخوانيا وجل هدفه تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، أم كبيرا وزارة الأوقاف اللذان يمثلان في النهاية مؤسسات الدولة؟ .
ملاحظتى الأولى تتلخص في الآتى: متى سنتوقف عن استخدام الدين في السياسة؟ وهو سلاح تستخدمه كل جماعات الإسلام السياسى وكذلك مؤسسات الدولة عند الحاجة.
متى سندرك أن مصرالجديدة التي نتحدث عنها جميعا دون أن نجرؤ على تحديد هويتها، يجب ان تكون دولة مدنية علمانية، حيث حرية العقيدة والعبادة مكفولة للجميع، دولة تحترم كل الأديان السماوية بجميع طوائفها، المواطنون فيها سواء أمام القانون، لا توجد في بطاقة الرقم القومى خانة ديانة، وهذا لن يمس الإسلام وعظمته كدين الأغلبية في الدولة.
متى ستغلق ملف التمايز الدينى والطائفى؟ لنبدأ في التفكير في حياتنا المشتركة على أرض هذا الوطن؟ ونترك الحديث عن العقيدة كعلاقة لا يجوز الخوض فيها فهى علاقة خاصة بين الإنسان وربه، ولا يجوز أن نجعلها مجالا للنقاش والجدل العقيم وتضليل العامة، على صفحات الجرائد وفى الإعلام المرئى والمسموع كما حدث من قبل في القنوات الفضائية والسجال بين السنة والشيعة .
الملاحظة الثانية: عرض الإبراشى فيديوهات قديمة لمحمود شعبان في قناة الحافظ التي أغلقت، منها واحد يفتى فيه بقتل زعماء جبهة الإنقاذ (تحديدا البرادعى وحمدين صباحى) باعتبارهما خارجين عن إجماع الأمة والولى الشرعى للبلاد، وبالطبع جاء بما يساند رأيه من السنة وأقوال الفقهاء، وفيديو آخر يصف فيه المتظاهرين في التحرير بأنهم بلطجية ومأجورين حسب شهادة شخص حدثه تليفونيا، وأن هناك حالات تحرش وخروج عن الآداب العامة في الميدان، وبالطبع فكلا الفيديوهين معروفين للعامة وسبق لى أنا شخصيا مشاهدتهما، واليوتيوب، الذي أصبح ذاكرة العالم، يحتوى على مئات الفيديوهات يصف فيها شخصيات عامة ثوار 25 يناير بالمأجورين والحشاشين بل يفعلون الفواحش في الميدان، ولا يمكن أن ننسى فيديو طلعت زكريا الشهير ومداخلته على التليفزيون المصرى قبل سقوط نظام مبارك، وكذلك فيديوهات لآخرين يحضون على قتل مخالفيهم في الرأى ومازال ذلك يحدث حتى الآن على القنوات الفضائية ومن إعلاميين محترمين لا داعى لذكر أسماءهم فالسادة المحترمون معروفون.
خطاب محمود شعبان بالتأكيد به الكثير من التجاوزات والمآخذ ولكن يشاركه في الإثم عدد كبير، فهو ليس الأول ولن يكون الأخير، وما يسمح بوجود أمثال محمود شعبان، مناخ عام يؤصل للشقاق والتخوين والاستقطاب السياسى ونعرة التمايز الدينى، ليتنا نتذكر جميعا قول الله تعالى «أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ».