x

رملة بولاق.. الأمطار ضيف ثقيل على 500 أسرة

الإثنين 24-11-2014 19:09 | كتب: هبة عبد الحميد, ولاء نبيل |
عشش بولاق وعزبة النخل عشش بولاق وعزبة النخل تصوير : إسلام فاروق

ليس غريباً أن يكره أهالى عشش «رملة بولاق» فصل الشتاء بكل مظاهره من برد وأمطار وعواصف، فبقدومه تبدأ متاعبهم ومشاكلهم الكبرى فى الظهور، فتغرق عششهم، وتتلف ممتلكاتهم القليلة التى تنغلق عليها أبواب البيوت، ويصل الأمر ببعضهم إلى التشرد، والإقامة تحت الكبارى وسط أكوام القمامة والحشرات.

وتقع عشش «رملة بولاق» التى يتجاوز عددها الـ 500، خلف أبراج نايل سيتى الفاخرة التى يحجب ارتفاعها واقعاً مريراً يعيشه أهالى هذه العشش، يترقبون فيه مقدم الشتاء الذى تنتشر شائعات لم تؤكدها جهات علمية مختصة، تتوقع أن يكون الأقسى منذ ما يزيد على القرن.

وتتذكر زينب جمال، طالبة بالصف الثانى الإعدادى، من أهالى العشش، ما حدث لهم فى العام الماضى، حين غرقت شوارعهم وانهارت بعض العشش بسبب تراكم مياه الأمطار فوق الأسطح الخشبية.

«زينب»، أو «قشطة» كما يسميها سكان المنطقة، واحدة ممن امتنعوا عن الذهاب إلى مدارسهم لأكثر من 20 يوما بعد غرق شوارع «رملة بولاق». تصف ما حدث لهم قائلة: «الناس بتفرح بلمة الأسرة مبكرا داخل المنازل فى الشتاء، بس سكان العشش ذكرياتهم عن الشتاء مش حلوة، نحن ننام فى العراء ونتغطى بالمشمع بدلا من البطاطين حتى لا تبتل ملابسنا بفعل الأمطار التى تسقط علينا من فتحات السقف».

ضيق الحال وقصر ذات اليد جعلا عائلة «زينب» ترضى بالأمر الواقع وتحيا فى عشة لا تتعدى مساحتها بضعة أمتار، تحوى بالكاد كنبة وسريرا ودولاباً صغيراً وتليفزيوناً «10 بوصة» وبوتاجازا صغيرا مسطحا. تقول زينب: «أبويا أرزقى على قد حاله بيشتغل أى شغلانة علشان يصرف علينا أنا وإخوتى الخمسة. وننام جميعا فى هذه العشة، البعض منا فوق السرير والبعض الآخر تحته، أما دورة المياه فهى غرفة صغيرة مبنية جنب العشة مساحتها متر فى متر تنهار هى الأخرى كل شتاء بسبب المطر الشديد».

وحول استعداداتهم لشتاء هذا العام، تقول: «سمعنا جميعا من التليفزيون أن هذا الشتاء سيكون الأقوى، لذلك بدأ أبويا وإخوتى الأولاد بتقطيع بعض الأشجار من الحديقة الموجودة فى آخر العشش علشان نقوى بيها جدران وسقف العشة».

نفس الشىء فعلته «أم على» 43 عاما واحدة من أهالى المنطقة، وتسكن فى عشة بنتها لها حماتها فوق عشتها المبنية من الطين ومسقوفة من الخشب، لتعيش فيها مع أبنائها الثلاثة، وتضطر للاشتراك مع حماتها فى دورة مياه واحدة ملاصقة للعشة التحتية.

وتصف «أم على» عشتها: «غرفة من الخشب بها فتحتان من كل جانب، ومسقوفة بالخشب والمشمع، ودلوقتى باحاول أمنع دخول مياه المطر للغرفة عشان كده قمت بعجن كمية من الطين مع قش أرز أوصيت أحد بائعى الخضار بإحضارها من بلده وحطيتها فوق سقف العشة علشان مانغرقشى فى المطرة».

مثلها مثل غيرها من سكان المنطقة تتمنى «أم على» أن تعيش فى منزل آدمى مبنى من الطوب ومسقوف بالأسمنت، لا يكشفه أحد ولا تتسبب فتحاته فى غرقهم بالمياه، لكنها تستدرك قائلة بأنها لا تستطيع حتى دفع مبلغ من المال مقابل إيجار غرفة صغيرة فى أحد الأحياء القريبة من رملة بولاق.

فى أكتوبر 2013 نجح سكان رملة بولاق فى انتزاع حكم قضائى يلغى قرارا صادرا عن مجلس الوزراء بنزع ملكية أراضى الرملة، وتعهدت الحكومة بتوفير 139 مليون جنيه من ميزانيتى محافظة القاهرة وصندوق تطوير العشوائيات لبناء أربعة أبراج لسكان عشش الرملة بديلة عن مساكنهم، على أن تستثمر المحافظة ما يتبقى من مساحة الأفدنة الأربعة المقامة عليها العشش، لكن بعد مرور ما يزيد على العام من تاريخ إعلان هذا التعهد، لم تشهد منطقة الرملة أى خطوات نحو تنفيذ المشروع.

وعلى الرغم من عدم قدرة «أم عاشور» ذات الـ 85 عاما على المشى، إلا أن قربها من أحد الكبارى المتهالكة فى المنطقة يجعلها تزحف لتجلس تحت الكوبرى وتحتمى بسقفه، كلما غرقت عشتها فى كل شتاء. لكن ما يؤرقها أكثر هو كثرة الحشرات الضارة مثل العقارب والفئران وأحيانا الثعابين التى تختبئ وسط أكوام القمامة المتراكمة تحت الكوبرى.

مع هطول المطر يبدأ الاحتياج الملح للبحث عن بدائل آمنة تعوض سكان العشش عن غياب الأسمنت والخرسانة عن أسقف بيوتهم. ويأتى المشمع البلاستيك فى مقدمة الحيل التى لجأ إليها سكان العشش من مياه الأمطار.

فى سوق الخميس بميدان المطرية يفرش حسن أحمد بضاعته من المشمع البلاستيك، ثم ينتقل ببضائعه إلى سوق الجمعة بالسيدة عائشة. يسأله زبائنه عن النوع الأفضل القادر على تحمل عواصف الشتاء وشدة المطر فينصحهم حسن بما يتناسب مع جنيهاتهم القليلة. يقول: «الناس بتاخد منى المشمع علشان حاجات كتير منها تغطية الزرع أو تغطية الغسيل المنشور فى البلكونات، لكن أكثرهم يأخذ البلاستيك علشان يفرشوه فوق البيوت والعشش، علشان يحميهم من المطر اللى بيغرق بيوتهم». وعن أسعار المشمع قال حسن: «سعر متر المشمع يبدأ من 6 جنيهات ويصل حتى 12 جنيهاً، وكلما زاد سمك وعرض المشمع زاد سعره». ويضيف: «المشمع البنر هو الأغلى علشان بيستحمل سعره 12 جنيه المتر». ويوضح: «الناس اللى عايشين فى العشش بيضطروا يغيروا المشمع مرة كل سنة، وعلشان يغطى العشة لابد أن يشترى على الأقل 10 متر لتغطية عشة مساحتها مترين فى مترين».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية