x

«إهـمـال» فى معهد القلب: المرضى ينتظرون شهوراً طويلة لإجراء العمليات الجراحية وقوائم الانتظار تشمل أبسط أنواع التحاليل

الثلاثاء 14-07-2009 00:00 |
تصوير : other

بعد رحلة عناء طويلة فى الحصول على علاجه الشهرى جلس حسين محمد (60 سنة) على أريكة خشبية داخل معهد القلب القومى ليلتقط أنفاسه ويجفف عرقه المتساقط على وجهه بسبب ارتفاع حرارة الجو.. فى طرقات المعهد المغطاة بالصاج، وبعد انتظار 20 دقيقة شعر الحاج حسين بالراحة شيئاً ما، وبادر فى التحدث إلينا قائلاً: «منهم لله اللى وصّلونى لكده، ففى أحد الأيام أصابتنى ذبحة صدرية وجلطة.. وجاء بى أولادى إلى المعهد.. وقال لى الدكتور ساعتها إننى فى حاجة لقسطرة.. وطلبوا منى الحضور بعد شهر ونصف».

تحمل حسين - كما يروى - آلام المرض طوال تلك المدة وأخذ يعد الأيام حتى موعد إجراء القسطرة على أمل أن تنتهى معاناته بعدها، ولم يتخيل ولو للحظة واحدة أنها ستكون بداية لمعاناة أكبر تنتهى بحاجته لإجراء جراحة قلب مفتوح، يقول حسين: «عندما ذهبت لإجراء القسطرة وقف 3 أطباء.. فقلت إيه الاهتمام ده كله.. لكنهم أثناء تركيب القسطرة ما بطلوش كلام.. كانوا بيرتبوا لفسحة تجمعهم آخر اليوم.. وفى لحظة حسيت بغزة..

واكتشفت أن الدكتور بسبب انشغاله بالكلام مع زملائه وأثناء تمريره القسطرة فى الشريان خبطها غلط فى جداره.. وعمل ثقب نزف منه الدم من ناحية وتجلط من الناحية التانية.. وبكل بساطة خبط الدكتور بعدها على كتفى وقال لى: قوم يا حاج إنت ماينفعش معاك إلا عملية قلب مفتوح».

لكن حياتى توقفت منذ ذلك اليوم، هكذا يقول حسين، ويضيف: أصبحت غير قادر على العمل وجلست فى المنزل، واضطر أولادى إلى ترك تعليمهم فى الثانوية العامة، وحولوا أوراقهم إلى التعليم الفنى لكى يتمكنوا من إنهاء تعليمهم بسرعة والخروج للعمل «علشان البيت يفضل مفتوح».

وشفعت الحالة الصحية للحاج «حسين» لدى الأطباء، لتكون بعد 7 شهور لتقريب موعد إجراء جراحة القلب المفتوح! تعاطى خلالها - كما يذكر - علاجاً شهرياً تجازوت تكلفته 300 جنيه.

ويضيف: «كنت اشترى شريط فى شريط حتى موعد العملية، وبعد مجىء موعد العملية طلب منى الأطباء الانتظار لمدة شهر ونصف الشهر لإجراء قسطرة جديدة، مما أتعب نفسيتى، فقررت أن أستمر على العلاج وما أعملش العملية.

يحصل «حسين» على علاج شهرى من المعهد بقيمة 60 جنيهاً، وفقاً للقيمة المقررة له فى قرار العلاج على نفقة الدولة، ويتحمل شراء باقى الأدوية من نفقته الخاصة ويقول: «حاولت كتير معاهم يزودوا لى العلاج.. وفى كل مرة يقولوا لى الوزير هو اللى محدد التمن.. وأهو ربنا موجود ويجازى كل إنسان بعمله».

وأمام وحدة بنك الدم جلست سعدية محمد، (45 سنة) فى انتظار سماع اسمها لتسلم خطاب المعهد لوزارة الصحة، لكى تحصل على قرار علاج على نفقة الدولة بإجراء جراحة تنظيف للشريان، وهى العملية التى تجريها سعدية - كما تقول - للمرة الثالثة داخل المعهد: «منذ 5 شهور وأنا رايحة جاية على المعهد للحصول على جواب وزارة الصحة.. وأعمل عملية التنظيف.. وهذه هى المرة الثالثة اللى باعمل فيها العملية دى من ساعة ما عملت عملية توسيع الشريان سنة 2007.. وكله بسبب إهمال الدكتور اللى عملها لى.. لدرجة إن جرحها لسه مالمش لحد دلوقتى وبينزف».

ورغم صغر سن «سعدية» فإن المرض وآلامه جعلها تبدو كامرأة فى السبعين من العمر، وتعتبر نفسها من أكثر مرضى المعهد الذين عانوا من طول قوائم الانتظار، فتقول: «من أول يوم دخلت المعهد طلبوا منى عمل أشعة.. ولما قلت لهم مافيش فلوس لأن جوزى ميت وكان عامل نظافة مالوش تأمين ولا معاش طلبوا منى الانتظار 3 شهور..

ومن شدة الألم كنت بآجى كل شهر أتحايل عليهم يقدموا لى المعياد فيقولوا لى تعالى بعد شهر، ولما عملت الأشعة طلبوا منى الانتظار سنة كاملة علشان أعمل العملية، وبعد سنة أخدنا شهرين مع بتوع بنك الدم، اللى جبنا لهم طوب الأرض يتبرع، ومافيش فايدة.. بحجة إن فصيلتى نادرة» وعن كيفية متابعة المعهد لحالة المرضى قالت: «لا يوجد سوى دوسيه العلاج الشهرى، لكى يخصموا من المبلغ بعد صرف العلاج، ومافيش حاجة اسمها دوسيه لحالة المرضى».

وإلى جوارها جلست «أم أسامة»، (42 سنة)، بعد أن استعانت بورقة كارتون للجلوس فوقها فى انتظار نتيجة تحليلها الشهرى وقالت: «أنا وجوزى وابنى بنتعالج فى المعهد.. وأول مرة جيت بجوزى كان عنده جلطة فى الشريان التاجى.. لقيت الدكتور بيطلب منى تحويل من أى دكتور قلب بره، فبوست رجله لأن جوزى راجل كبير وكان بيموت، وفى الآخر صعبت على الممرضة ووفروا له سرير».

وانتقدت «أم أسامة» سوء معاملة بعض موظفى المعهد للمرضى قائلة!» فى مرة طلبوا منى أشعة بـ60 جنيه فقلت لهم مافيش فلوس لأن جوزى راجل كبير ومريض بالقلب والكبد والسكر فردت علىّ الموظفة باستهزاء وقالت لى أمال بتصرفوا منين؟

قلت لهم أهل الخير بيعطفوا علينا وعلى قد ما أقدر باخدم فى البيوت.. فطلبت منى دفع نص المبلغ علشان أعمل الأشعة بسرعة من غير انتظار».

«ماتموت» عبارة قصيرة وقعت كالصاعقة على آذان نادى مراد، مزارع من محافظة الفيوم، عندما طلب من أحد الأطباء الكشف على ابنته «سهير» (25 عاماً) لتحديد موعد لإجراء جراحة قلب مفتوح لها وهى العملية التى أقرها لها طبيب آخر داخل المعهد.. «نادى» اكتشف سفر الطبيب قبل موعد العملية فما كان منه إلا أن طلب من زميل له أن يحل محله غير أنه فوجئ برفض الطبيب وعندما حاول إقناعه مخاطباً فيه عاطفته كإنسان جاء جوابه صادماً لنادى: «كل يوم أصحى من الفجر أنا وبنتى علشان نلحق نيجى من الفيوم للمعهد فى 8 مواصلات رايح جاى،

وبمجرد أن الدكتور اللى متابعين معاه سافر كل حاجة وقفت، وكل واحد يقول لينا استنوا لما الدكتور اللى متابعين معاه ييجى ومافيش حد بيشفع لحد فى المعهد ده البنت كل يوم فى النازل ومش عارف أعمل معاها إيه».

أما سعدية محمود (19 سنة)، فمعاناتها مع مرض القلب بدأت منذ أنامل أظافرها، حيث كانت مصابة بثقب فى القلب، تداوى بعد سنوات طويلة من العلاج، وفجأة شعرت بهبوط حاد، سقطت على إثره على الأرض فأيقن أهلها عودة أعراض القلب إليها واصطحبوها محملة على الأكتاف إلى المعهد - كما تروى والدتها - لتوقيع الكشف الطبى عليها: «منذ 3 أيام وبنتى تنام على الأرض لا أحد يسأل فيها وكل اللى رايح واللى جاى يتفرج عليها»، بادرت والدة سعدية بإجراء التحاليل والفحوصات اللازمة لتشخيص حالتها، لكن أياً منهم لم تظهر نتيجته حتى الآن وقالت: «ننتظر نتائج الأشعة ومافيش دكتور راضى يكشف عليها إلا لما يشوف نتيجتها، وخايفة أديها أى علاج علشان حالتها ما تدهورش أكتر وربنا يلطف بيها».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية