x

أحمد الدريني رسالة من شاب بوذي.. لشاب مسلم منتفض يوم 28 نوفمبر أحمد الدريني الأحد 23-11-2014 21:29


يحق للواحد منا أن يرتبك حين يسمع عن «انتفاضة الشباب المسلم» يوم 28 نوفمبر..

فهل أقدم «المسلمون»- كل المسلمين- على انتفاضة ما من ورائي ودون أن أعرف؟ يصعب على استيعاب ذلك .

إذا ما الأمر؟

لم أفهم «ال» التعريف التي أضيفت لكلمة «مسلم» في انتفاضة جماعة، بأطيافها وملحقاتها وأصدقائها، من الحركات الإسلامية .

فلو قيل «انتفاضة شباب مسلم» لكان الأمر مفهوما على نحو ما، حتى ولو لم يكن مستساغا.

لكن الأمر برمته، ينطوي على مغالطات لغوية تؤسس لكوارث عقيدية، بعدما دهست في الطريق عدة بديهيات سياسية.

(2)

يحق لأي تيار أن يدخل في خصومة مع النظام الحاكم.. أي تيار.. ضد أي نظام حاكم.

لكن الجاري على الساحة السياسية، يجرد- برأيي- صفة «التيار» عن معظم جسم الحركات الإسلامية المناوئة للنظام الحالي، ليضعها في مصاف الجماعات الإرهابية المجرمة..

من لم يجرم بالسلاح.. أجرم بتأييد العدوان ضد المجتمع والدولة.. ثم استحسن وشمت.

وفي الشماتة تحديدا خسة في الطبع، تفوق خسة دافع الإجرام ذاته.

ورغم كل هذا، سأفترض جدلا أن الإسلاميين- معظم الإسلاميين- يمكن أن نصفهم بأنهم تيار ما معارض.

عارض السلطة ما شئت، لكن ما علاقة أنك «مسلم» بأنك معارض للسلطة؟ هل تعاديك السلطة لأنك تحديدا وحصرا «مسلم»؟

إذا فأنت تجرد السلطة من إسلامها، وتجرد بقية المجتمع- بالتبعية- ممن لا يقع عليهم الاضطهاد (بمواصفاتك أنت للاضطهاد) من صفة الإسلام!

(3)

الأزمة قديمة موغلة في القدم.

معظم التيارات الإسلامية ما لم يكن كلها، تري نفسها أكثر إسلاما من المجتمع ذاته، ثم ترى نفسها أكثر إسلاما من بقية الفصائل الإسلامية الأخرى!

في بداية نشأة الإخوان المسلمين، طرأ تساؤل ما من داخل التنظيم، متسائلا عن هوية الجماعة: هل الإخوان جماعة المسلمين أم جماعة من المسلمين؟

أي هل من هو ليس في صفوف الإخوان يمكن أن نحسبه من المسلمين؟

وفي شطط السؤال وانحطاطه دلالة أكثر كشفا لما يعتمل في الدماغ الإخواني منذ عقود.. ورغم الإجابة التي فصل بها المرشد الثاني حسن الهضيبي في كتابه «دعاة لا قضاة» بأن الإخوان جماعة من المسلمين.. جماعة من جماعات المسلمين.. وأن من هو خارجها من المسلمين دون شبهة.

إلا أن الإجابة في حد ذاتها، كثيرا ما وصفت بأنها سياسية أكثر منها دينية، وكثيرا ما ينظر إليها على أنها قناعة ترددها الألسن دون القلوب وما وقر فيها.

أنا أعرف أن جاري الإخواني وصديقي الإخواني كان يرى نفسه أكثر إسلاما مني ومن اللي جابوني واللي هجيبهم.. لكن الأمر كان متواريا مراوغا فيه وعنه.

الآن فحسب.. يقولونها صراحة.. انتفاضة «الشباب المسلم».

حسنا يا إخوتي في الإنسانية.. هل أنا الآن بوذي أم هندوسي أم طوطمي أم أي عفريت أزرق بعدما قضيتم بأنكم المسلمون من قبل ومن بعد؟ وبأن لكم الدار الآخرة خالصة من دون الناس؟

ربما أصبح بوذيا دون أن أعرف وأنتم تصكون شهادات الإسلام الحصرية.. ربما.

(4)

«ولن يقبل الشعب المصرى بطمس هويته والحرب على مقدساته وتدمير المساجد وحرق المصاحف وقتل شبابه وسحل نسائه».. استرعى هذا السطر من بيان الإخوان المسلمين الصادر في 23 نوفمبر، الانتباه والسخرية.

فما هي المقدسات التي تُحارب؟ وأين هي المساجد التي تهدم والمصاحف التي تحرق؟

هل تعيشون معنا في نفس الكوكب؟ أم أن المساجد تهدم والمصاحف تحرق من ورائنا دون أن ندري؟ لو كان الأمر كذلك أتمنى أن تشركونا في هذا..

هل تعرفون أين هي الأزمة الأعمق؟

إنكم تحاولون تجريد خصمكم السيسي من الإسلام.. بينما في حقيقة الأمر، يرى الرجل نفسه - بدوره- أكثر إسلاما منكم ومن اللي جابوكم!

الرجل المشهور بصلاته وقيامه بأكثر ما هو مشهور بسواهما، والقائل «حضرتك يارب»، وحامل علامة الصلاة في منتصف رأسه، قد صرح أثناء حملته الانتخابية تصريحا مدهشا، بمقاييس علم السياسة واللاهوت معا، حين قال إنه سيحاجج الإخوان أمام الله يوم القيامة!

للأسف.. اخترتم الشخص الخطأ والأرضية الخطأ بالصياغة الأكثر فداحة، للمزايدة على من يزايد عليكم جميعا.

(5)

الإيحاء بأن 28 نوفمبر مدعو إليه من فصيل ما لا ندركه.. لكنه إسلامي في عمومه.. ويحظى بتأييد الإخوان.. أمر لا أستطيع تفهمه بسهولة.

فعلى بلادة الفيديو ومجافاته للمنطق الأرسطي في صياغاته وإخراجه وتنويعاته الشكلية بين المشاركين والمشاركات، إلا أنه لم يقل صراحة من هم هؤلاء «الشباب المسلم».. من أي فصيل وبأي خلفية، ولماذا الآن؟

الفيديو الملحمي الذي يختتمه أحد المشاركين مغمغما بأنه «ليس طائفيا».. يؤسس لما هو أخطر من الطائفية.

فإذا كانت الطائفية على نفهم، اضطهاد أو احتقار أو سوء معاملة طائفة لطائفة، فإن فيديو «الشباب المسلم» يؤسس لتكفير المجتمع وإخراجه عن الملة عن بكرة أبيه، ليبقوا هم فحسب المسلمين الأواحد، ولتتحول معركتهم الدون كيشوتيه، إلى معركة بين الإيمان والكفر.. بين الحق والباطل.

(6)

كان متاحا- بل ومهيأً- أن تصاغ رغبتهم في المعارضة أو حتى الصدام العنيف مع «النظام السياسي» على نحو أكثر ذكاءً..لكن الأذكياء عموما، لا يفضلون الانتماء للتيار الإسلامي.. والذين فعلوها يوما ما.. تركوه إلى غير رجعة.

والحاصل أنهم يضيعون ويشوشون أي محاولة صادقة جادة منهم أو من غيرهم للاشتباك مع النظام ومعارضته على أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية وحقوقية، لنصبح رهناء محبسين.. النفاق أو الإرهاب.

والنتيجة التي وصلوا لها، بسوء طويتهم وغباء أدمغتهم وخبال قياسهم، أنهم سيرفعون المصاحف في مظاهرات 28 نوفمبر..وكأنهم يستلهمون أحداث الفتنة الكبرى التي يعاني المسلمون منها إلى اليوم.

ثم الأنكى أن ذكاءهم وفقهم ليختاروا فعل الفئة الباغية.. ويرفعون المصاحف، وإن لم يكن على أسنة الرماح، فعلى وقع الرصاص!

(7)

تبنت جماعات كثيرة منهج «التكفير».. لكن الأمر وصل ذروته، حين كان أحد المعتقلين بسجن وادي النطرون قبل عشر سنوات شخصا تكفيريا، ويتزعم تنظيما تكفيريا هو عضوه الوحيد.. لأن التنظيم كان يحمل اسم «المسلم الوحيد».. وكان يرى نفسه المسلم الوحيد وكل من سواه كفرة!

عزيزي الشاب المنتفض في 28 نوفمبر..

هل سمعت يوما ما الحكمة القائلة: أعط عدوك الغبي حبلا وسيشنق نفسه بنفسه؟

هنيئا لك الحبل!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية