فى متحف الجيش بالعاصمة الفرنسية باريس، بداية من 17 يونيو الماضى وحتى سبتمبر المقبل وأسفل قبة معرض تعلوها الرسومات والنقوش الفرعونية لأربع نساء يمثلن فصول السنة الأربعة، تحتفى فرنسا بمرور 200 عام على صدور كتاب «وصف مصر»، الذى ألفه فريق من العلماء والأدباء بصحبة نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية على مصر. وأول خريطة لمصر أخفاها بونابرت، آنذاك خشية أن يستغلها أعداء فرنسا فى الهجوم على قوات الحملة، كانت أهم ما احتوته أروقة معرض باريس.
الكتاب المكون من 11 مجلدا للصور و9 للنصوص المكتوبة، والذى استغرق العلماء ما يقرب من 20 عاما لجمعه، وصفه البعض بأنه عين راصدة للأوضاع المصرية، وصوره آخرون بالكاشف عن سحر مصر وآثارها العظيمة فى تلك الحقبة التاريخية.. ورغم ذلك تباينت آراء الكتاب حول حدث الاحتفال به.
«من أهم الأعمال التى أثارت اهتمام العالم بالحضارة المصرية باعتباره مسحاً شاملاً للعادات والتقاليد حتى الحيوانات والطيور».. بهذه الكلمات بدأ الكاتب صلاح عيسى حديثه عن أهمية الدور الذى لعبه هذا الكتاب باعتباره أول شكل من أشكال تدوين الحالة المصرية وما كانت عليه فى أوائل القرن التاسع عشر، وبالتالى فهو جدير بالاحتفال، وأضاف عيسى أنه ليس بإمكاننا كعرب أن نقوم بتجربة وصف مماثلة للحضارة الغربية فى الوقت الراهن بفضل شبكات الإنترنت والأقمار الصناعية التى تساعدنا فى التعرف على الغرب، وتنقل لنا صوره ناهيك عن اتساع تلك المجتمعات ووجود صعوبات تعوق وصفها.
وفاضل عيسى بين تجربة الفرنسيين فى وصف مصر وتجارب أخرى مماثلة للعرب قديماً ككتاب «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز» لرفاعة الطهطاوى و«رحلة فى روسيا» للكاتب محمد رشاد و«جولة فى نجوع آسيا وأفريقيا» للرحالة المصرى محمد ثابت، كما يرى الكاتب «خيرى شلبى» أن الكتاب كان سفراً جامعاً لكل ما يتعلق بمصر والمصريين ،وأن مثل هذا العمل لن يتكرر لأن العلم تعقد وتكاثرت تخصصاته وأضاف أن احتفال مصر بالكتاب كان منذ عامين حينما أصدرت مكتبة الأسرة الطبعة الشعبية منه ليصبح فى متناول الجميع.
وجاء رأى محمد عفيفى، أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، مختلفا بعض الشىء، إذ قال: «علينا أن ننظر للكتاب فى إطار الظرف التاريخى الذى صدر فيه وهو خدمة الأهداف العسكرية للحملة الفرنسية فالكتاب ليس منصفا تمام الإنصاف لنا نتيجة جهل الفرنسيين بعادات وتقاليد المسلمين وقدم تحليلات قاصرة فى ظل الفكر الاستشراقى»، ويرى عفيفى أن الغرب كان أجدر منا فى الوصف لأنه امتلك الإمكانات والمنهج والهدف بخلاف الحال فى مصر وبالتالى فمن حقهم الاحتفال أما نحن فلا.
وأكد الدكتور عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة حلوان، أننا بحاجة لمثل هذا الاحتفال فى مصر، لأننا نحتفل بالإنجازات التى خلفها الاستعمار مع الاعتراف الكامل بكونه عدوانا غاشما، وأضاف أن إصدار الأحكام على التاريخ لا يمكننا من الاستفادة منه ولكن الأهم هو تفسيره.
وقالت الدكتورة «ليلى عنان»، أستاذة الحضارة الفرنسية: «الكتاب رائع من الناحية العلمية وما ورد به من إحصاءات ومؤشرات خاصة بالحياة المصرية ومختلف مجالاتها فى تلك الفترة، أما عن الأجزاء الخاصة بوصفهم للمصريين فمن وجهة نظرى كانت غير منصفة تماما بل يغلب عليها النظرة العلوية والاحتقار».
وتعارض عنان فكرة الاحتفال، مشيرة إلى أن هذا العمل خاص بهم فقط ورفعت فرنسا من قيمته لتبرر هزيمتها، وتؤكد أنهم بالفعل قادة التنوير فى الشرق. وأشارت عنان للعديد من الكتب المصرية، التى جاءت مشابهة لتجربة وصف مصر الفرنسية، ولم يتذكرها أحد مثل كتاب «الخطط التوفيقية» لعلى مبارك.
وقال الدكتور أيمن فؤاد سيد، أمين مكتبة المعهد العلمى الفرنسى بالقاهرة إن الكتاب كان إعجازاً حقيقياً وكشف أوضاع المصريين فى الفترة العثمانية والدليل على ذلك مقولة الفرنسيين أنفسهم «لو أراد نابليون أن يصف فرنسا لوصفها بجدارة مثلما وصف مصر»، ويرى «سيد» أن الاحتفال بالكتاب جائز لأننا هنا نحتفل بإنجاز ولا نحتفل بالاستعمار نفسه، وأشار لتطوير مكتبة الإسكندرية للنسخة الأصلية للكتاب من خلال إنشاء موقع إلكترونى خاص به لإمداد الباحثين بالمعلومات اللازمة عن الحملة وتلك الفترة.