الشعوب أيضاً تعانى من عقدة نفسية.. ليس الأفراد فقط من يُصابون بعقدة أوديب، أو عقدة إلكترا.. «عقدة فيرمونت» ستبقى عقدة المصريين تجاه النخبة المدنية، بما تحمله من خوف، وما تحمله من انعدام ثقة.. الأزمة بدأت بنخبة فيرمونت، وانتهت بانسحاب «البرادعى» من المشهد للأبد.. هنا كانت الطامة الكبرى.. راحت مصر تنفخ فى الزبادى.. فلا أحد يصلح لشىء.. ربما يكون من الطابور الخامس!
بالمصادفة البحتة كان زميلى الكاتب «نيوتن» ينتقد انفلات الإعلام، وإطلاق أوصاف الفلول والخونة والصهاينة والطابور الخامس أمس.. هو غاضب جداً من حالة التدنى.. يراها ضارة جداً بصحة الوطن.. فى الوقت نفسه عندى تعقيب من «أم مصرية» تعلّق على «عقدة فيرمونت» فتقول: عفواً.. وهل «عقدة فيرمونت» كانت شوية على مصير وطن وشعب؟.. عندها حق بالطبع.. فلولا أن الله سلّم!
السؤال: هل نخبة مصر هى نكبة مصر؟.. هل كانت نخبة مندفعة أو انتهازية؟.. هل كانت تنظر تحت أقدامها حين وقفت بجوار محمد مرسى؟.. هل يستوى الجميع فى هذا المعنى بفرض صحّة بعضه؟.. السيدة الفاضلة ترى ما هو أكثر.. تستدل على ذلك بقولها: ألم تر أن «بعض النخب» اعتذرت مؤخراً عن مشاركتها فى «فيرمونت»، وأعلنت التوبة؟.. يبقى السؤال: هل يصح أن نعمّم الحكم؟!
روحها الوطنية شجعتنى على النقاش معها.. تقول: نحن بصدد «وطن يحارب ويبنى».. يُقتل أبناؤه يومياً دفاعاً عن تراب الوطن، وعن المواطن المصرى، ليمارس حياته اليومية فى خدمة الوطن، والبناء بطمأنينة «طمأنينة ثمنها غال».. ولا خلاف على أى شىء مما تقوله.. نحن متفقان.. لكن بقيت العقدة.. هل كل النخبة على دين فيرمونت؟.. من هنا كانت «الدائرة الضيقة» التى أشرت إليها آنفاً!
لا يفوت «الأم المصرية» أن تشير إلى «إرث تجريف الحياة السياسية».. وحقيقة الأمر أن هذه هى الجريمة التى ارتكبها نظام حسنى مبارك.. بحيث أصبحنا لا نرى غير «جمال ابنه» هو الحل.. كانت الأحزاب نفسها تتواطأ على هذا الجُرم.. مكتب الإرشاد نفسه قال: وماله؟.. شاب مصرى من حقه!.. وكان كل فريق له غرض.. الآن قمنا بثورتين كى نغيّر الواقع من أجل توسيع «الدائرة الضيقة»!
فلا خلاف على أننا فى حالة حرب.. ولا خلاف على أننا ننفخ فى الزبادى حتى لا يسرق حُلمنا أحد.. لكن كل هذا لا يمنع من وجود الشباب فى مراكز صنع القرار.. «الأم المصرية» تقول: ولماذا لا يشمّر الشباب عن سواعدهم، ويتقدمون لخدمة الوطن «من غير عزومة أو قمصة»؟.. بالذمة ده كلام؟.. يتقدم فين؟.. يروح يدخل قصر الرئاسة يقول: الهمّة يا رجالة!.. هل هكذا نحل مشكلة تجريف الوطن؟!
النخبة ليست كلها نكبة.. ولا هى كلها من جماعة «فيرمونت».. مصر ينبغى أن تتعافى من «عقدتها النفسية».. عملياً كل الذين كانوا فى «فيرمونت» اختفوا.. سواء بإرادتهم، أو تحت ضغط الرأى العام.. بعضهم اعتذر.. البرادعى أيضاً انسحب للأبد.. وقبل أن ينسحب كان قد طعن الجميع غدراً.. الثورة والدولة!