لا يذكر الفلسطينيون والعرب اسم اللورد بلفور إلا مقرونا بالشتائم واللعنات، ولا يذكرون تصريحه أو وعده للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومى لليهود إلا مقرونا بعبارة: «المشؤوم».
والحقيقة أن بلفور ووعده يستحقان كل ما قيل فيهما وعنهما وأكثر، لكن ليس إلى الحد الذى يصل فيه الأمر إلى اعتباره العصا السحرية التى لولاها ما جرى إنشاء دولة إسرائيل قبل أكثر من ستين عاما. وعلى نحو غير مسبوق، سنعيد هنا مناقشة موضوع وعد بلفور بإقامة وطن قومى لليهود من زاوية مقارنته بوعد أوباما بإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين فى إطار حل الدولتين لشعبين.
إن مجرد طرح مثل هذه المقارنة يمكن أن يخرجنا، ولو قليلا، من أسر الدائرة الجهنمية لثقافة الشعارات، والتخلص، ولو قليلا أيضا، من إعفاء أنفسنا من المسؤولية وإدمان تعليقها على شماعة المؤامرة والظروف.. ووعد بلفور المشؤوم.
كان اللورد بلفور، وزير خارجية بريطانيا، فى عهد لويد جورج، رئيس الوزراء، قد وجه فى 2/11/1919 رسالة إلى صديقه اللورد روتشيلد، بصفته رئيسا للاتحاد الصهيونى العالمى، تتكون من ستين كلمة فقط وجاء فيها بالخصوص «إن حكومة جلالتها تنظر بعين العطف والارتياح إلى إنشاء وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين»، ولم تكن هذه الرسالة بالطبع هى وحدها التى أنشأت إسرائيل، وإلا كان من الممكن إقامة دولة فلسطينية قبلها بناء على رسائل أخرى جرى تبادلها بين عامى 1915 - 1917 بين الشريف حسين وهنرى مكماهون المعتمد البريطانى فى القاهرة ووعد فيها بإقامة دولة عربية مستقلة كانت تشمل فلسطين.
وإلى جانب أسباب عديدة جرى الحديث عنها بإسهاب فى تحليل دوافع بلفور فى إصدار تصريحه «المشؤوم»، فإنه يجب التأكيد على أن المصالح البريطانية البحتة كانت هى من أملى على «بلفور» إصدار هذا التصريح لأن بريطانيا أرادت أن تمتطى ظهر الصهاينة لتجاوز اتفاق سايكس – بيكو والانفراد، دون فرنسا، بالنفوذ والانتداب على فلسطين. وبالمقابل امتطى الصهاينة ظهر بريطانيا لتحقيق مشروعهم، وكان تحالفهما معاً قد قصم ظهر الفلسطينيين والعرب. كان المعنى الأساسى لوعد بلفور هو توفير حاضنة من دولة عظمى مثل بريطانيا لرعاية وتحقيق المشروع الصهيونى.
ولما كان موضوعنا هو المقارنة التحليلية بين وعد بلفور ووعد أوباما، فإنه يجب البدء هنا بمراجعة مسألة أهمية التحالفات مع القوى الدولية، حيث نعتقد وبقوة أن المسألة الفلسطينية هى بالأساس مسألة دولية وأن مصيرها يتقرر أساسا فى ملعب القوى الدولية بشرط أن تكون القوى المحلية فى فلسطين مستعدة وجاهزة ذاتيا للاستفادة من ظروف تحالفها مع هذه القوى الدولية مثلما جرى مع الحركة الصهيونية.
ومعروف أن إنجلترا وفرنسا تنازعتا على وراثة التركة العثمانية بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى، وكان على الحركة الصهيونية أن تختار بين التحالف مع أى منهما، وقد رجحت حسابات الحركة الصهيونية خيار التحالف مع بريطانيا، وانتهزت بريطانيا ذلك وكلفت سوكلوف من زعماء الصهاينة لإبلاغ فرنسا «بأنه مع الاعتراف بإسهام فرنسا العظيم فى الحضارة فإن الصهيونيين يفضلون بريطانيا».
ويدفعنا هذا الأمر للمغامرة بفتح بعض الملفات المسكوت عنها، فقد لاحت للفلسطينيين فى نفس هذه الفترة فرصة لمساومة بريطانيا التى كانت هى أول من رفع شعار: «فلسطين للفلسطينيين» لتكسب التحالف معهم وتفك ارتباط فلسطين بسوريا التى كانت فرنسا تتطلع لفرض انتدابها عليها، ولذا طلبت بريطانيا من القيادات الفلسطينية فى المؤتمر الفلسطينى الأول الذى انعقد فى القدس آخر يناير 1919 أن يعلن أن فلسطين للفلسطينيين، لكن هذه القيادات رفضت وتمسكت بأن فلسطين هى سوريا الجنوبية.
ولما احتلت فرنسا سوريا عام 1920 لم يتمسك السوريون بأن فلسطين هى جنوب سوريا، ولهذا اضطرت القيادات الفلسطينية بعدها للعودة إلى إعلان أن فلسطين للفلسطينيين، لكن فرصة وزمن المساومة كانا قد مرا، لأن بريطانيا لم تعد بحاجة للتحالف مع الفلسطينيين بعد أن وطدت تحالفها مع الحركة الصهيونية وتفاهماتها مع فرنسا، وربما كان التقاط اللحظة التاريخية المناسبة وعدم تفويتها هو الدرس الأول فى فن التحالفات.
وفى درس آخر سنرى كيف حافظت الحركة الصهيونية على تحالفها مع بريطانيا العظمى رغم اندلاع العديد من الخلافات العميقة بينهما، كما حصل عندما أخرجت بريطانيا شرق الأردن من صك الانتداب وفصلتها عن فلسطين فيما كان المشروع الصهيونى يتطلع لبناء دولته على ضفتى الأردن، كما قال جابوتنسكى الأب الروحى لنتنياهو: «ضفتان للأردن واحدة لنا والأخرى لنا أيضا».
وكما حصل أيضا من خلاف عندما أدركت بريطانيا، بعد المقاومة التى أظهرها الفلسطينيون، أنه لا يمكن إقامة إسرائيل على كل فلسطين، ولذا أعلنت فى عام 1937 عن مشروع «لجنة بيل» الذى كان أول من أوصى بحل الدولتين عن طريق تقسيم فلسطين، وكان رفض الطرفين: الصهيونى والفلسطينى، قد أسقط هذا المشروع، لكن فكرة حل الدولتين وتقسيم فلسطين بقيت من يومها وإلى الآن هى الأكثر حضورا وقبولا من القوى الدولية لحل هذا الصراع التاريخى.
وكان الدرس الثالث والأهم فى عالم التحالفات قد وقع فى عام 1939، عندما كانت بريطانيا تستعد لخوض غمار الحرب العالمية الثانية، ولذا رغبت فى تهدئة الأوضاع فى مستعمراتها حتى لا تطعن جيوشها من الخلف، وفى هذا الإطار أصدرت بريطانيا أخطر وثيقة فى تاريخ الصراع الصهيونى – العربى عندما أعلنت فى 17/5/1939 عن الكتاب الأبيض، الذى أحدث تحولا جذريا فى العلاقات التحالفية بين بريطانيا والحركة الصهيونية لأنه نسف وعد بلفور عندما نص على أن «واضعى صك الانتداب الذى تضمن وعد بلفور لم يكن فى نيتهم وجوب تحويل فلسطين إلى دولة يهودية» ودعا إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة خلال عشر سنوات، ثم وجه هذا الكتاب ضربة قاصمة للمشروع الصهيونى عندما قرر تقييد الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومنع انتقال الأراضى لهم.
ولما كنا بصدد اتخاذ موقف مما يمكن أن نسميه بوعد أوباما، فإنه من الأهمية بمكان أن ندرس رد فعل الجانبين: الصهيونى والفلسطينى على الكتاب الأبيض لبريطانيا، وكان رد الفعل الصهيونى قد تمثل فى المواقف التالية:
1- رفضت الحركة الصهيونية بشكل قاطع وحاربت سياسيا وبلا هوادة للكتاب الأبيض الذى أصدرته بريطانيا.
2- ولكن فى الوقت نفسه شاركت الحركة الصهيونية بريطانيا فى الحرب بلواء كامل من 30 ألف جندى صهيونى سيكون لهم تأثير كبير فى الحرب مع العرب لاحقا.
3- البدء فى إجراءات الطلاق وفسخ تحالف الحركة الصهيونية مع بريطانيا والانتقال منه للتحالف مع أمريكا القوة العظمى التى ستحل محلها بعد الحرب. وبالمقابل تمثل رد الفعل الفلسطينى فى المواقف التالية:
1- كانت أغلب الدول العربية ألحت على القيادة الفلسطينية لقبول الكتاب الأبيض على الأقل كحل مرحلى، وكانت الأغلبية أيضاً من القيادة الفلسطينية فى اللجنة العربية العليا مع قرار الموافقة على الكتاب الأبيض.
2- رفض الحاج أمين الحسين، مفتى فلسطين وزعيمها من منفاه فى بيروت، الكتاب الأبيض، وحمل بقية القيادة على رفضه، وسكتت الدول العربية لتحمل القيادة الفلسطينية مسؤوليتها التاريخية عن هذا الرفض.
3- قررت القيادة الفلسطينية المراهنة على انتصار هتلر فى الحرب وتحالفت معه علنا، ولما انهزم هتلر انهزمت معه هذه القيادة وألحقت بقضية شعبها ضررا فادحا لا يمكن إصلاحه، ومن المؤسف حقا أن يتكرر هذا الدرس مرة ثانية عندما تحالف ياسر عرفات مع صدام حسين بعد غزوه للكويت، ويبدو أن هذا الدرس لم ينته بعد ويتجدد هذه المرة فى صيغة تحالف حماس مع إيران. وكانت الحركة الصهيونية قد نجحت فى زيادة عدد اليهود عشية صدور قرار التقسيم عام 1947 إلى حوالى 600.000يهودى، مقابل ( 1273000) فلسطينى، وكان هذا يحتم ما يلى: إما تحويل فلسطين إلى دولة ثنائية القومية، أو تقسيمها إلى دولتين، أو منح الأقلية حكما ذاتيا، أو قمعها فى معازل مثلما تفعل إسرائيل الآن بالفلسطينيين.
ولما نقلت الحركة الصهيونية تحالفها من بريطانيا إلى أمريكا أقامت فى الوقت ذاته علاقات طيبة للغاية مع الاتحاد السوفيتى، وبالمقابل طلب العرب من بريطانيا استبعاد أمريكا من المفاوضات واتخذوا موقفا عدائيا من الاتحاد السوفيتى الشيوعى، وقررت بريطانيا إحالة المسألة الفلسطينية برمتها إلى الأمم المتحدة، وفى 29/11/1947 صدر قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية وتدويل القدس، وقد لا يعرف الكثيرون أن العرب حاولوا متأخرين جدا استدراك الموقف وقدموا فى اليوم نفسه مشروعا للأمم المتحدة يدعو إلى إقامة دولة فيدرالية فى فلسطين تتضمن حكومات مركزية للمقاطعات اليهودية والعربية، ويطرح علينا هذا المشروع الذى جاء متأخرا سؤالا حول إمكانية إعادة التفكير فيه وطرحه قبل فوات الأوان مرة أخرى. بقى لنا أن نغلق الحديث عن هذه المرحلة بدراسة ثلاثة مواقف بالغة الأهمية وجرت على النحو المتتابع التالى:
1- عندما وافق بن جوريون على قرار التقسيم اشتبك معه مناحم بيجن زعيم اليمين الصهيونى فى خلاف شديد، وسأله: كيف تقبل هذه الدولة المسخ على حوالى 56% فقط مما يسميه بأرض إسرائيل الكاملة، وكيف يقبل بدولة مسخ لم تكن تضم الخليل صخرة وجود اليهود وليس فيها يهود والسامرة قلب التوراة وليس فيها القدس حيث هيكل سليمان ومملكة داوود، فرد عليه بن جوريون بما صار مبدأ سياسيا مهما بعدها: «أنا أقبل ما يحتاجه الشعب وليس ما يريده الشعب».
2- وعندما أضافت إسرائيل 14 ألف كيلو متر مربع لمساحتها بعد هزيمة الجيوش العربية فى حرب 1948 عاد مناحم بيجن ودعا بن جوريون لاحتلال غزة والضفة والقدس، لكن بن جوريون رفض لأن اليهود يمكن أن يتحولوا إلى أقلية فى هذه الدولة التى ستفقد هويتها اليهودية وطابعها الديمقراطى.
3- فى يوم 22/6/1948 وعندما كانت إسرائيل فى وضع صعب فى الحرب مع الجيوش العربية أعطى بن جوريون تعليماته الصارمة للملازم آنذاك اسحق رابين لقصف سفينة اسمها التالينا كانت وصلت من أوروبا إلى شواطئ تل أبيب وعليها أكثر من ألف متطوع يهودى وشحنات أسلحة تخص حركة حيروت اليمينية، التى رفضت تسليمها للحكومة الإسرائيلية فأغرقت السفينة قبل أن يقفز مناحم بيجن من على ظهرها وقتل فيها 14 متطوعا وأغرقت شحنة الأسلحة فى البحر، وقال بن جوريون فى الكنيست إنه من أجل إقامة دولة إسرائيل وضمان استمرارها فإنه ينبغى الالتزام بسلطة واحدة وقرار سياسى واحد وسلاح شرعى واحد.
ربما يبدو واضحا الآن أن وعد بلفور على أهميته لم يكن هو وحده الذى أنشأ دولة إسرائيل وحافظ على وجودها على مدار الستين عاما الماضية. وتلوح الآن لفلسطين فرصة تشبه إلى حد ما وعد بلفور: رؤية بوش ووعد أوباما الذى اعتبر أن حل الدولتين، أى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية.
وهنا تجدر الإشارة إلى إجماع كل الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس على إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة فى حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحق اللاجئين فى العودة إلى «داخل إسرائيل»، حيث كانت أراضيهم وبيوتهم قبل عام 1948، وتبدو كل هذه المطالب محقة وعادلة لكن من المؤسف حقا القول إنها مع ذلك غير قابلة، كلها كرزمة واحدة، للتحقق لا الآن، ولا فى المستقبل المنظور، لأنه قد يكون ممكنا التوصل إلى حلول وسط فى أغلب القضايا محل الصراع بين الطرفين كما جرى فى كامب ديفيد عام 2000 وفق صيغة كلينتون، أو كما جرى فى وثيقة جنيف 2003، أو وفقا لصيغة أولمرت التى كشف النقاب عنها الأسبوع الماضى للنيوزويك التى يدعى فيها أنه عرض على أبومازن 93.5٪ من الضفة الغربية وإعطاءه 5.8% من داخل إسرائيل أراضى بديلة مع الممر الآمن بين الضفة وغزة، مع اقتراح إدارة دولية للبلدة القديمة فى القدس من دون سيادة لأى من الطرفين، لكنه مع ذلك لا يبدو أن هناك أى إمكانية لحل وسط فى موضوع عودة اللاجئين وفقا للقرار 194.
ولا يوجد بالطبع من يفكر فى التنازل عن حق اللاجئين فى العودة، ولكن على كل من يعتقد أنه يمكنه الآن انتزاع هذا الحق من إسرائيل أن يكتفى به ويكف عن المطالبة بالدولة المستقلة، ليس فقط لأنه لا يمكن الجمع فى أى صفقة واحدة بين المطلبين، ولكن أيضاً لأنه لا يعود هناك معنى للمطالبة بدولة على حدود 67 فيما يمكن الحصول على كل فلسطين من النهر إلى البحر إذا انتزعنا من إسرائيل حق العودة لنصف اللاجئين أو حتى ربعهم، لأن فلسطينيى الـ48 باتوا يشكلون الان 20.2 % من عدد سكان إسرائيل.
وإذا أضفنا لهم 10% أو حتى 5% من اللاجئين مع معدل خصوبة يماثل ضعف تقريبا ما لدى اليهود فإنه يمكن وقتها تقويض إسرائيل من داخلها وبالاقتراع الديمقراطى الحر لانتخابات الكنيست، ولم تعد هناك حاجة للمقاومة ولا إلى دولة مسخ، كما يقال فى حدود 67، وقد يكون من الضرورى لإزالة أى شك أو التباس إعادة التأكيد على أن ذلك لا يعنى أى دعوة إلى إسقاط حق العودة أو التنازل عنه.
لكنه يجب التأكيد أيضا أنه ليس من الممكن الآن أو فى المستقبل المنظور الحصول فى صفقة تسوية واحدة على الدولة المستقلة وحق اللاجئين فى العودة، وهذه الحقيقة الموضوعية تستوجب من الفلسطينيين حسم خياراتهم وفقا للأولويات، ووفقا لإمكانية التوصل إلى حلول سياسية إبداعية إذا ما تحررنا قليلا من هيمنة الظواهر الصوتية وعقلية المزاودة والارتزاق من الحفاظ على الوضع الراهن البائس للقضية الفلسطينية.
وفى مواجهة تحديات الوضع الراهن، وما يسمى بوعد أوباما، فإن الفلسطينيين مطالبون بوقفة موضوعية مع الذات لحسم قرارهم من بين الخيارات التالية:
1- إعطاء الأولوية لإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة فى حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية والتمسك بانتزاع الحد الاقصى الممكن من شروط الاستقلال والسيادة، والتى قد لا يمكن الجمع بينها وبين ضمان حق عودة اللاجئين إلى داخل إسرائيل. (هناك خمسة خيارات أخرى بديلة).
2- خيار دولة فلسطينية متحدة كونفيدراليا مع الأردن.
3- خيار الدولة ثنائية القومية، بكل ما تتطلبه من تغيير جذرى فى الاستراتيجية الفلسطينية.
4- خيار الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، دولة كل مواطنيها بلا تمييز دينى أو قومى.
5 - خيار الصمود والحفاظ على الوضع الراهن، إذا كانت المراهنة على أن الوقت يعمل لصالح الفلسطينيين، وإذا كانت هناك إمكانية لحماية الأرض من المزيد من عمليات التهويد والقضم (كانت مساحة الدولة الفلسطينية المقررة فى 1947، حوالى 42.6 % من مساحة فلسطين، وأصبحت 22% بعد حرب 67، وهى الآن لا تتجاوز 17% من أصل مساحة فلسطين بما فى ذلك الأراضى التى تقع خلف جدار الفصل العنصرى وبافتراض إزالته).
وقد يكون من الضرورى التأكيد على أن المقاومة المسلحة هى أداة ووسيلة أساسية يتناسب اعتمادها مع الخيار الاستراتيجى الذى سيعتمده الفلسطينيون من بين هذه الخيارات الكبرى. ومن المؤسف حقا القول إن المقاومة المسلحة لم تعد قائمة فعلا إلا فى بعض خطابات المناسبات بعد أن جرى استبعادها تماما والتوقف الفعلى عن ممارستها فى الضفة الغربية كما فى غزة حيث كان لكل من الفريقين أسلوبه الخاص فى الإلتزام بوقف هذه المقاومة، ومنذ الانتخابات الفلسطينية التى جرت فى 2005 يسجل فى إسرائيل، عاماً بعد الآخر، أدنى مستوى من عمليات هذه المقاومة ومن الخسائر التى تسببها.
بقى بعد كل هذا أن نقول إنه فى ظل الإصرار على الانقسام الفلسطينى وتعطيل الاتفاق والالتزام بسلطة واحدة وقرار سياسى واحد وسلاح شرعى واحد فإنه قد لا يمكن لوعد آخر لا مثل وعد بلفور أو حتى وعد أوباما أن يخرج إلى الحقيقة والواقع والنور الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة.