x

عمار علي حسن الرئيس و«دهاء التاريخ» عمار علي حسن الخميس 06-11-2014 21:07


قال له صاحبه وهو يحاوره: هل كان أحد فى مصر، غير ضباط الجيش وأشخاص يعدون على أصابع اليد فى أركان السلطة أيام حكم مبارك، يعرف اسم الرئيس «عبدالفتاح السيسى»؟

ابتسم وأجاب:

ـ لا أحد.

هز رأسه وقال:

ـ هل تتذكر ما يقوله معلقو مباريات كرة القدم؟

نظر إليه مستغربا:

ـ يثرثرون كثيرا لكن أى كلام لهم له صلة بما نتحدث فيه؟

ـ حين يقولون عن لاعب من قلب الدفاع يتقدم ويحرز هدفا حاسما: فعلها القادمون من الخلف. لم يرق له الكلام فقال له:

ـ وما العجب فى هذا، ألم تسمع عن مكر التاريخ ودهائه، الذى جعل خفيفا يطفو وثقيلا يغوص، وحرم من يخطط للحكم من أن يناله، ووهبه لمن لا ينتظره، ألم تقرأ الآية (26) من سورة (آل عمران): « قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ». أدار وجهه إلى الناحية الأخرى ثم رفع بصره وأرسله إلى السماء البعيدة وقال:

ـ هذا ليس مُلكا، إنها رئاسة، تكليف من الشعب، أو مسؤولية كبرى وواجب ضخم، فإن رآها صاحبها مُلكا يكون قد وقع فى خطأ جسيم.

ـ صحيح، لكن «الرئاسة» تأتى أحيانا لمن يتولاها بلا حيلة منه، وليس بالضرورة من يصل إليها هو الأكفأ أو الأجدر، وهذا أمر معروف فى العالم كله، ألم يُقَل عن جورج بوش بأنه «رئيس بالصدفة»؟

تنهد فى غيظ ورد على صاحبه:

ـ لا تذهب بى بعيدا فى الغرب أو الشرق ولننظر فى حالنا بمصر فهو يكفينا، ولا تنس أن رئيسنا جاء بأغلبية كاسحة، وكأنها «بيعة» من الشعب له.

ـ دعك من تاريخنا الطويل وفيه الأعاجيب، وانس كافور الإخشيدى الذى مات سيده فجلس مكانه على العرش وصمت الناس، وتجاوز أسرة محمد على بما لها وما عليها، ولنبدأ من ثورة يوليو 1952، ألا تتذكر أن «محمد نجيب» وضعه ضباط صغار أمامهم ليعطيهم قوة وكان شجاعا وخاض المغامرة، لكن ما إن رأى من وسدوه أن الغرض منه قد انتهى حتى أبعدوه وحددوا إقامته وتركوه يموت بائسا معدما، وهل تنسى أن عبدالناصر جاء بالسادات نائبا له لأنه الأكثر طاعة له، أو الضعيف الصامت فى صفوف الضباط، وتجاهل زكريا محيى الدين، لأنه الأجدر والأكفأ، بل قيل إنه قد طرحه عقب الهزيمة ليتولى الحكم بدلا منه حتى يحرقه أمام جماهير نزلت تهتف «لا تتنحى». بلع ريقه وهز رأسه وشرد قليلا ثم عاد ونطق:

ـ منك نستفيد.

ابتسم ورد:

ـ لا تتعجل، ولنستكمل، ألا تتذكر أن السادات أيضا اختار شخصا مطيعا ضعيفا ليكون نائبا له، فحكم بعده ثلاثين سنة. اختار من لن ينازعه ولن يعارضه ولن يكبر فى عين الناس إلى جانبه، وانحاز لمصلحته الشخصية على حساب مصالح البلد. وفهم مبارك اللعبة فلم يترك أحدا، لا سيما من المدنيين، يكبر إلى جانبه، وكل من كان يأمل فيه الناس كان يتم استبعاده أو تشويهه. ـ ربما يكون الأمر قد تغير بعد ثورة يناير.

ـ لا أعتقد، السلطة هى السلطة ما لم يحدد الدستور اختصاصاتها ويستيقظ الناس لها وتراقبها مؤسسات مستقلة، فخذ مثلا ما جرى: لم يدر بخلد المشير حسين طنطاوى أنه سيحكم مصر سنة ونصفا، ولم يصل خيال الدكتور محمد مرسى حين يطلق له العنان أنه فى يوم من الأيام سيصير رئيس مصر، والمستشار عدلى منصور كان يجلس فى بيته أمام التلفاز أو يقرأ بعض ملفات المحكمة الدستورية وربما كان قد دخل فى نوم قيلولة حين وقفت حركة تمرد وجبهة الإنقاذ لتقولا إن «رئيس المحكمة الدستورية سيتولى الحكم لفترة مؤقتة إن أسقط الشعب مرسى».

ـ وماذا عن الرئيس عبدالفتاح السيسى؟

ـ كان واحدا من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى كلفه مبارك بإدارة شؤون البلاد، ولم يكن يظهر على الناس بحكم وظيفته، وعقب إقالة طنطاوى حل مكانه وزيرا للدفاع، وثار الشعب ضد الإخوان فجاءته لحظة تاريخية، ربما لم يتخيلها يوم 24 يناير 2011 أبدا، وتواصلت الأحداث لتنتخبه أغلبية كاسحة من الشعب رئيسا وهى تراه الأجدر والأكفأ.

ضحك وقال: ـ رئيس وليس ملكا.

ـ نعم، رئيس لمصر التى تمنح من روحها العريقة لكل من يحكمها قيمة وقامة، عليه أن يمتلئ بها ويراعيها فى التفكير والتعبير والتدبير، دون أن ينسى أبدا دهاء التاريخ.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية