قبل أيام.. صادف مسمعى مونولوج طويل لمحمود شكوكو أذاعته إذاعة الأغانى مساء بعنوان «حسن أبوعلى سرق المعزة»، أشك أن يكون أحد فى الأجيال التى ولدت فى عهد مبارك قد استمعت إليه رغم معرفتهم الدارجة بالعبارة الشهيرة الكلاسيكية، أكثر ما شدنى فى المونولوج هو جرأته التى تعبر الخط فى مقاطع كثيرة إلى مرحلة التجاوز، فهو يذكر فيه «الإخوان» صراحة وبدون مواربة، ينتقدهم، وينتقد قياداتهم، ويتهمهم بالعمالة لصالح الإنجليز، ويذكر وقائع تاريخية شديدة التفصيل بعضها كنت أجهلها للتدليل على خيانة «الإخوان» وعدم وطنيتهم، بالإضافة إلى محاولتهم لتغيير النمط الاجتماعى والفكرى للمصريين بنمط متشدد، وبالتالى يصبح حسن أبوعلى الذى سرق المعزة فى مونولوج شكوكو هو رأس الإخوان الأكبر ومرشدها الأول حسن البنا، وهو ما استقبله مستمعو شكوكو فى المونولوج بتصفيق حاد.
انتظرت انتهاء المونولوج حتى أجمع ما أستطيع من معلومات عنه كما جرت العادة فى إذاعة الأغانى، إلا أن مذيع الربط لم يضف أى معلومة ذات أهمية عن المؤلف والملحن واكتفى بقوله إن المونولوج يعود إلى تسجيل حى فى إحدى الحفلات عام 1954، ومنذ تلك اللحظة وأنا أبحث على الإنترنت عن «حسن أبوعلى الذى سرق المعزة» فى تسجيل صوتى أو فيديو طمعا فى رؤية استعراض شكوكو وتفاعل الجمهور، فلا أجد سوى رقصات سمير صبرى حول أحد النيران المشتعلة فى طقس يماثل الهنود الحمر، مردداً أغنية «اضحك يا أبوعلى».
فى عام 1954 استطاعوا أن يحاربوا الإخوان بشكوكو، أن يقتلوا فكرة الكهنوت الدينى المتمثل فى أمر المرشد وقدسية تابعيه برجل يرتدى جلبابا ويمسك عصا، مثلما فعل أجيال ممن لم يعاصروا شكوكو أثناء تولى مرسى، فى مقاطع تصاحب كل خطاب من خطاباته، ومثلما فعل باسم يوسف أيضا، إلا أن المونولوج- سواء كان ظهوره الأول بدافع شخصى من شكوكو أو مؤسسى من الدولة- اختفى مع الأيام، لأن الدولة التى حاربت فكرا دينيا لم تحافظ على هذا الإرث فى التوثيق، على عكس ما يفعله الإخوان دائما، محاولة لاكتساب تعاطف مع أجيال جديدة لا تمتلك رفاهية الاستماع إلى الوقائع من طرفيها، فلا تجد إلا رواية الإخوان ومظلوميتهم فى وجه عبدالناصر، وهى نفس الجماعة التى ستعتمد نفس التكنيك بعد عقود، لأن الدولة تجهل أهم أسحلتها فى إسقاط الطغاة والرجعيين.. وهو توثيق نكاتها.