x

براء أشرف داعش للإنتاج الفني.. تقدم : براء أشرف السبت 01-11-2014 23:11


«لا تتصرف كالمنافق، وأنت تجهر بالقرآن أمام الناس»، بهذه الجملة يبدأ فيلم «رجم ثريا»، المنتج عام ٢٠٠٨، والمأخوذ عن قصة حقيقية، لرجم الإيرانية «ثريا منوتشهري» عام ١٩٨٦ باسم الشريعة الإسلامية.. لعلك شاهدت الفيلم، ولعل الشخص الذي يقف وراء إنتاج أفلام «داعش» شاهده أيضاً..

في «رجم ثريا»، نشاهد الوجه الآخر للقصة، الفيلم منحاز لرواية خالة ثريا «زهرة»، التي تكشف كيف كان رجمها نتيجة تحالف رجل دين فاسد، مع زوج ثريا المحتال. وقد أثارت هذه الرواية جدلاً كبيراً، منذ نشرها صحفياً، قبل أن تتحول بعد ذلك إلى فيلم سينمائي مؤلم.

والرجل، الذي يصور ويخرج «أفلام داعش»، والتي يتم بثها بكثافة على موقع يوتيوب، يدرك أنه ربما، في زمن قادم، تظهر للمرأة التي تم رجمها مؤخراً في سوريا خالة أو عمة، تكشف وجهاً آخر غير أخلاقي، لعملية رجمها، لذا، فقد اتخذ احتياطاته كلها، وأنتج أفلامه بدقة شديدة.

(١)

«أسأل الله العظيم، وأنت أول من يطبق عليه حد الزنى بالرجم في هذه المنطقة، أن تكوني سنة خير لمن بعدك، وأن تتوبي وترجعي لله سبحانه وتعالى، فهذا الحد الآن.. ماشي؟، هو نتيجة الأعمال التي اقترفتها أنت.. ما أجبرك عليها أحد.. ماشي؟، فلذلك، عليك أن ترضي بحكم الله سبحانه وتعالى وأن تكوني راضية ومستسلمة لله سبحانه وتعالى.. فالإسلام هو الاستسلام لله.. ماشي؟.. هل أنت راضية بحكم الله؟»..

هكذا يكلم منفذ حكم الرجم الداعشي المرأة المحظوظة صاحبة أول رجم يتم تنفيذه في تاريخ الدولة الإسلامية «المزعومة» في العراق والشام..

بجوار الرجل، الذي نشاهده في لقطة سينمائية متوسطة، يظهر رجل مسن، يهز رأسه موافقاً على كلام المتحدث الداعشي، ويتبين فيما بعد، أنه والد المرأة التي سيتم رجمها بعد قليل.. وفي الزواية الأخرى، يظهر حجابها، ورأسها يتحرك لأعلى وأسفل، في موافقة على كل جملة ينطق بها الداعشي..

بعد ذلك، سيسألها الرجل عما إذا كانت تريد قول أي شيء. ستطلب أولاً السماح من والدها، الذي سيرفض بصرامة، قائلاً «لست أبوك». هنا سيتدخل منفذ الأحكام الداعشية، ليتوسط خيراً بين الأب وابنته. فيطلب منه «الرحمة»، فلا يصح أن يكون قاسياً مع ابنته التي سيتم رجمها بعد قليل.. سيلح في طلبه «سامحها.. سامحها.. سامحها»..

ثم تتصاعد الدراما، لنسمع صوت المرأة يعطي النصيحة للنساء المسلمات، فتقول «أنصح كل امرأة بأن تحافظ على عرضها أكثر ما تحافظ على روحها».. بعد ذلك، يوجه الرجل الداعشي (بلحية سوداء وقميص لبني نظيف ومكوي بعناية) حديثه للسادة المشاهدين، فيما يبدو وكأنها رسالة الفيلم الأساسية: «لا تتركوا النساء، لا تغيبوا عنهن أكثر من الفترة الشرعية المحددة، إياكم والانغرار بالدنيا أيها الإخوة».. آه والله هكذا قال..

سريعاً، يدخل الأب إلى الكادر، ويصطحب ابنته إلى حفرة تم إعدادها سلفاً. وتبدأ عملية رجم سريعة، هادئة، دون صراخ من المرأة، ودون لقطات قريبة على وجهها وبإضاءة معتمة بحيث لا تظهر دماؤها.. مع صوت يطلب منها أن تتلو الشهادتين.. تبدأ الصورة في الإظلام التدريجي.. مع صوت آية قرآنية في الخلفية..

هكذا، يأتي الفيلم في خمس دقائق، بإيقاع سريع، ومونتاج دقيق، وبناء مرتب، بداية ووسط ونهاية. تشويق وإثارة، شريط صوت مميز، ولقطات سينمائية احترافية.

قبل شهرين، كنا على موعد مع فيلم آخر من أفلام داعش. يحمل اسم «لهيب الحرب». وقد أثار جدلاً كبيراً. فمن ناحية يأتي الفيلم بجودة كبيرة في التصوير والمونتاج وتعليق صوتي بإنجليزية سليمة تماماً. ومن ناحية أخرى، يكشف الفيلم صوراً غير مألوفة، لكواليس التنظيم، ويوثق بدقة شديدة (وحصرية تامة) عدة عمليات عسكرية لداعش..

«لهيب الحرب» فيلم تليفزيوني بامتياز، من حيث الجودة، والبناء، كل المعلومات مرتبة ومنظمة، محاور واضحة، تجيب عن كل الأسئلة. دعني أخبرك، أن مصر لم تنتج يوماً فيلماً عن السياحة بها (مثلاً) بهذه الجودة في الصورة والدقة في البناء.. باختصار.. لهيب الحرب فيلم مقنع!. (وهو للبعض فيلم ممتع).

(٢)

الأفلام، الوثائقي منها تحديداً. تشبه الإعلانات إلى حد كبير.

هدف الإعلان، كما تعلم، هو أن يجعلك تشتري منتجا ما، سائل تنظيف الصحون المبهر، السيارة التي لن تشعر بمتعة القيادة إلا معها، البنك الذي يحافظ (وحده دون غيره) على أموالك ويحسن استثمارها بأعلى عائد على الإطلاق، الشيكولاتة التي تجد بها المرأة ما يغنيها عن الرجل.. وهكذا..

الإعلانات تكذب. فالهدف الأهم هو أن تشتري. وسيتم استخدام كل الحيل لبيعك المنتج، بالكذب، بالغناء، بظهور المنتج في يد نجم تحبه.. بأي طريقة.. المهم أن تشتري..

والأفلام الوثائقية تفعل الأمر نفسه. تبيعك فكرة، قصة، حكاية، وجهة نظر، لكنها ممنوعة من الكذب، الهدف هو أن تقتنع بسردية الفيلم، بمشاهد حقيقية تماماً. لا غش فيها ولا كذب، بالأصوات والألوان الطبيعية.. دور الفيلم أن يقنعك بفكرة ما، وسلاحه الوحيد هو الواقع، الحقيقة، الأشياء كما حدثت بالفعل. دون تجميل أو تلوين أو كذب (على الأقل هذا ما ينبغي أن يكون)..

إذن، ما الفكرة التي يحاول صانع أفلام داعش بيعها لنا؟.. هذا هو موضوعنا..

مؤخراً، استقبلت وسائل الإعلام العربية والعالمية، رسائل مباشرة من «داعش»، تقول إن قيادات التنظيم غاضبة من وصف وسائل الإعلام لـ«داعش» بصفة «التنظيم»!.

تقول الرسائل: «لسنا تنظيماً. اسمنا الوحيد هو«الدولة الإسلامية في العراق والشام».. ومؤخراً طلبوا حذف كلمتي العراق والشام. اسمهم الذي يفضلونه هو«الدولة الإسلامية». هكذا، كلمتان، فهم ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم«دولة»، كما أنها في نظرهم الدولة الوحيدة التي تستحق أن تلتصق بها صفة «الإسلامية».

يشعرون أن كلمة «داعش» مهينة. فيها قدر من السخرية، كما أنها بدعة، وكل بدعة ضلالة، والدولة الإسلامية لا تريد أن تبني مجدها على ضلالات.. الدولة تفضل الحقائق!.

وهذا تحديداً ما تسعى له أفلام داعش. (أنا شخصياً أفضل اسم داعش وأراه أكثر إثارة وجاذبية).. الأفلام تعمل على تأكيد فكرة أساسية هي: هناك دولة.. ودولة قوية.. هناك فكرة عميقة جداً.. وما يحدث على الأرض حالياً هو مجرد تطبيق لهذه الفكرة..

في فيلم «لهيب الحرب» ترى لقطات للمحاكم، المتاجر، رجال تنظيم المرور، المستشفيات. الدولة الداعشية تؤكد أن كل شيء على ما يرام، كل الأمور تحت السيطرة المباشرة للدولة الجديدة القوية الباقية رغم حقد الحاقدين..

(٣)

الفارق كبير، بين أفلام القاعدة، وأفلام داعش.. ذلك لأن الفارق كبير بين أفكار القاعدة وأفكار داعش.

القاعدة هي منصة الغضب الإسلامي المتطرف ضد الغرب. هي مركز إطلاق الكراهية والعنف والإرهاب ضد كل ما هو غربي كافر.. لكن داعش ليس كذلك.. القاعدة تنظيم، وداعش دولة.

فكرة داعش، باختصار، أن هناك نوعا من البشر، مسلمين، لديهم رغبة في أن يعيشوا وفقاً لشكل معين، وهذا الشكل غير مسموح به في كل دول العالم العلمانية الكافرة. لذا، فإن أفضل ما يمكن عمله هو أن يجتمع هذا النوع من البشر في قطعة أرض فضاء، ويعلنوا تأسيس دولتهم الخاصة. التي يعيش بها فقط كل من يفضل الحياة على الطريقة الداعشية. (راجع التاريخ، هناك دولة أخرى تم تأسيسها بذات الشكل عام ١٩٤٨ وتحظى الآن باعتراف كل دول العالم).

الأمر يبدأ في العراق والشام، لكنها مجرد بداية. تم استخدام العنف لإخلاء المناطق من السكان، وتم إعلان الحدود المؤقتة للدولة، وتقول أفلامهم رسالة واضحة: هذه دولتنا، وسنتوسع كل يوم، لن نذهب للغرب لقتاله في داره، لكن من سيأتي من الغرب هنا، هيتعور!

بالطبع لعلك تعرف أن الآلاف من الشباب الغربي (المسلم) ينضم بانتظام لهذه الفكرة البراقة الخلاقة. والتقارير الصحفية الغربية تشير إلى تزايد أعداد المهاجرين والمنضمين من الشباب الغربي إلى داعش.. الذين رأوا فيه أخيراً خلاصاً كاملاً، وحلاً نهائياً، لحلمهم المؤجل بالحياة في دولة إسلامية حقيقية، وداعش حالياً هو صاحب الحق الحصري في إقامة الدولة الإسلامية الحديثة التي يحلم بها كل متطرف سئم الحياة داخل بلاده العلمانية الكافرة.

(٤)

أسوأ ما في الجنون.. أن يبدو وكأنه منتهى التعقل. وأسوأ ما في التطرف أن يستخدم المنطق!، وأسوأ ما في الانتحار أن يبدو كأنه أجمل من الحياة.. وهذا أفضل ما يفعله داعش.

الفكرة التي قام عليها تنظيم الدولة الإسلامية، تبدو بالنسبة إلى ملايين المشتاقين منطقية جداً، يقول داعش: لا يوجد شيء اسمه الإسلام السياسي.. ربنا خلق إسلاما واحدا لا تتبعه أي صفات. الإسلام لا يعرف السياسة.. هو فقط يعرف الخلافة.. ثم إن أسطورة الإسلام السياسي أثبتت فشلها، تحديداً في دول ما يعرف باسم «الربيع العربي». وصلت التنظيمات الإسلامية إلى الحكم عبر الديمقراطية، ثم سرعان ما ثبت فشلها الكامل.. وبالتالي، فأنصار الإسلام السياسي في نظر داعش كأنصار الكفر والعلمانية.. حتى وإن قالوا إن «الإسلام هو الحل».. الإسلام في نظر داعش هو الإسلام، لا يمكن اختزاله واختصاره في كونه مجرد حل!.

(٥)

شاهد أفلام داعش بعناية، خاصة تلك التي تنتهي بمشاهد إعدام لضحايا من الغرب. وركز في كلام الضحايا.. ماذا يقولون؟

رسائلهم تقريباً واحدة، «سيتم قتلي بسبب سياسات بلادي الخاطئة ضد الإسلام والمسلمين».. شخصياً، لا أعرف سبباً يجعل إنساناً على وشك أن يذبح، يقول رسائل تتعاطف مع قاتله. ما أعرفه أنني إن كنت مكانه، فسأقولها صراحة: أرسلوا جيوشكم لقتل كل داعشي.. هؤلاء قتلة مجرمون يسيطر عليهم الجنون والهوس.. لكن شيئاً ما مجهولا وغير مفهوم يدفعهم لقول رسالة أخرى.. يدفعهم لإلقاء اللوم على حكومات بلادهم!.. كيف؟ هذا هو سر خلطة داعش الفنية.. لعل في الأمر بعض المونتاج، لعله مختلق بالكامل.. لكن ما أنا متأكد منه أن الرسائل الخفية، المنطقية تماماً، تجد تدريجياً مزيداً من الأنصار..

صحف الغرب هذه الأيام تعلق على الحرب ضد داعش بقدر من السخرية والاستهزاء، تصفها بأنها «حرب بلا جدوى ولا نهاية».. يتحدث بعض المحللين عن أن الجلوس للتفاوض مع داعش مسألة وقت.. وينظرون في اتجاه آخر تماماً. إلى مناهج التعليم في المدارس، إلى سياسات الشرطة تجاه المسلمين المتدينين، إلى العنصرية ضد الممارسات الإسلامية.. سريعاً فهم بعضهم أن مقاومة داعش والقضاء عليه يبدأ من لندن وكاليفورنيا وباريس، قبل أن ينتقل إلى عين العرب والموصل وحلب.

(٦)

قبل عقود، كانت المقاومة الإسلامية ضد الكيان الصهيوني تغني: لا تحلم بالحل السلمي انس الأوهام.. في الكون نسور وذئاب ما فيه حمام.. قم غادر بيتك لا تقعد واحمل ألغام.. ودع الكرسي لمن جبنوا.. ودع الأقلام..

هذه الأيام، صارت هذه الأغنية داعشية.. وهذا للعلم!.

*كاتب ومخرج

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية