أرجو ألا ننسى أن الرئيس التونسى، المنصف المرزوقى، قد أصيب بهزيمة قاسية فى انتخابات البرلمان التى جرت الأسبوع الماضى هناك، رغم أن الانتخابات تمت فى وقت كان هو فيه فوق الكرسى فى القصر!
فالحزب الذى يرأسه المرزوقى، هو حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» ليس له أى ترتيب بين الأحزاب الخمسة الأولى فى النتائج عموماً، وإنما يأتى فى ذيل القائمة، ولم يتجاوز نصيبه خمسة مقاعد من بين 217 مقعداً، هى إجمالى مقاعد المجلس التشريعى!
والسؤال هو: إذا كانت الأسباب التى أدت إلى الهزيمة الكبرى التى مُنيت بها حركة «النهضة» الإسلامية تظل مفهومة، فما هى يا ترى أسباب خسارة المرزوقى، الذى لا علاقة له بـ«النهضة»، من قريب ولا من بعيد، بل هو على العكس منها من حيث توجهه الفكرى العام على طول الخط؟!
هل السبب أنه كان قد أظهر ضعفاً عاماً فى أدائه السياسى، طوال الفترة التى قضاها فى القصر الرئاسى؟!.. يجوز.. فقد وصل ضعف الأداء من جانبه حداً جعل كثيرين من الإخوة فى تونس يطالبونه فى الصحف علانية بأن يتوقف عن الكلام خلال الفترة المتبقية له أو أن يرحل!
قرأت هذا بنفسى فى الصحافة التونسية عندما كنت هناك، فى مايو الماضى، وقد بلغ الأمر به وقتها، أنه جاء مرة ليتكلم عن الشعب التونسى منتقداً بعض سلوكياته، فشتمه دون أن يدرى وتسبب كلامه فى أزمة سياسية كبيرة ظلت تُلقى بظلالها عليه، وعلى صورته لدى الرأى العام وعلى حركته داخل تونس وخارجها!
ثم.. هل السبب فى خسارته الفادحة أنه لم يجرب «أن يكون نفسه» طوال وجوده فى القصر، وكان فى كل لحظة يبدو وكأنه لسان حال حركة «النهضة» والمعبّر عنها، وعن أفكارها ورؤاها؟
أظن أن هذا أيضاً من بين الأسباب، إذ رغم أنه رجل يسارى فی فكره طول عمره، إلا أنه كان منذ أصبح رئيساً، يبدو فى كل موقف وكأنه واحد من كوادر «النهضة» الإخوانية الإسلامية، بل كان لا يتوقف عند حد تبنى أفكارها أو التحدث باسمها، كحركة إسلامية إخوانية، وبلسانها، وإنما كان يصل إلى حد المزايدة عليها هى نفسها، وكان يتبنى فى بعض الأحيان أفكاراً ترفضها «النهضة» وتتهرب منها، وتبدى فيها مرونة أكثر منه هو نفسه!
مثلاً.. جاء وقت عرضت فيه القوى السياسية فى تونس مشروع قانون على البرلمان الماضى، يحظر وجود حزب زين العابدين بن على، أو المنتمين إلى عهده فى الحياة السياسية، وكانت المفاجأة أن «النهضة» رفضت المشروع تماماً وصوتت ضده، ولم تقبل بالإقصاء لرجال «بن على»، وتمسكت بأن يكونوا موجودين فى أقرب انتخابات، وهى التى جرت الأسبوع الماضى، وأن يكون الحكم للناخب التونسى وحده.. إذا شاء أقصاهم ومنع عنهم صوته، وإذا شاء انتخبهم وأعادهم من جديد، ليتحمل عواقب تصويته!
على النقيض، كان موقف المرزوقى وحزبه، فهل عاقبه الناخب بقسوة لهذا السبب وحده، أم له مع غيره من الأسباب التى ذكرت بعضها فى أول هذه السطور؟!
تقديرى أنه خسر بسببها جميعاً، وأن المرزوقى اليوم ليس هو أبداً المرزوقى الذى كنا نعرفه أيام «بن على»، وأن وجوده فى قصر قرطاج كان عليه بكل معيار، ولم يكن له أبداً، شأنه بالضبط شأن الإخوان فى القاهرة، عندما كانوا فى «الاتحادية».. فيا لها من مفارقة موحية بأكثر من معنى!