x

ناجح إبراهيم الولادة أمام المستشفى ومترو لندن ناجح إبراهيم الخميس 23-10-2014 21:22


بدأ الورم صغيراً فى وجه الطالب الصغير.. ثم بدأ يتسع سريعاًً حتى اجتاح عينه اليمنى وأنفه ودمر معظم وجهه فلم تعد هناك أنف ولا عين.. لم أستطع النظر لوجه الغلام فقد تشوه تماماً إزاء زحف السرطان على وجهه.. قال صديقى: إنهم يريدون منك أن توصلهم إلى صدر حنون فى الإعلام ليستغيث بالقلوب الرحيمة لقبوله فى أى مستشفى حكومى أو جامعى لعلاجه.

أضاف والده المكلوم قائلا: «كلما ذهبنا إلى أى مستشفى طردوه وتخلصوا منه»، وحكى قصصا مخزية لمستشفيات حكومية وجامعية عريقة.. تواصلت مع معد لأحد البرامج.. وتحدثوا عن حالته فى إحدى الحلقات مع مستشار وزير الصحة الذى وعد بعلاجه وحوّله إلى أحد مستشفيات القاهرة الكبرى لكنهم تركوه هناك ولم يعيروه اهتماما ولم يدخلوه المستشفى.. ذهبنا به إلى برنامج آخر فحوله مرة أخرى إلى مكتب الوزير الذى حوله إلى مدير التأمين الصحى ومنه إلى مستشفى كبير، ولكنهم قالوا له: «ليس لك علاج لدينا ولا لدى أحد»، وكأن سرطان الوجه لم يكتشف إلا اليوم.. عاد الرجل بابنه كاسف البال باكياً.

ذكّرنى ذلك بميار شريف، تلميذة الابتدائية بالإسكندرية، التى أصابتها تشوهات بشعة بساقيها بعد حروق قديمة.. ذهبت مع والدتها إلى التأمين الصحى لإجراء جراحة تجميل فقالوا لها: «ليست معك واسطة»، ذهبت إلى المستشفى الجامعى بالإسكندرية قسم التجميل والحروق فقالوا لها: «هذه العمليات لا تجرى هنا إلا لمن كانت له واسطة»، وأسرة ميار من الأسر المعدمة فى كل شىء.

تذكرت مشاهد هؤلاء وغيرهم واستعدت آلامهم وأحزانهم وخيبة أملهم فى إنصاف وطنهم لهم بعد أن قرأت قصة تلك الزوجة الفقيرة الحاصلة على ليسانس حقوق، والتى ولدت أمام مستشفى كفر الدوار ولم تجد أحدا فى المستشفى يهتم حتى باستكمال ولادتها أو معالجة نزيفها، وتُركت عدة ساعات دون أن تطرف عين ممرضة أو ممرض أو طبيب أو إخصائى بالمستشفى لجراحها وأحزانها ودموعها، وكأن الإنسان المصرى كمٌ مهملٌ لا قيمة له.

ولا تعجب من ذلك فالنائب والإخصائى والاستشارى ورئيس القسم كلهم يزوغون من العمل والنوبتجية، ويهربون من المستشفيات العامة- التى لولاها ما تعلموا الطب والجراحة أبداً- إلى المستشفيات والعيادات الخاصة.. فلن تجد أحدا فى أى مستشفى الآن بعد الساعة 12 ظهرا.. إلا من كان فى مرحلة التعلم فى مرضى المستشفيات العامة حتى إذا أهلك ودمر عشرات المرضى وبدأ يتحسن أداؤه ويتقن الجراحة توجه مباشرة إلى البيزنس الخاص سواء كانت عيادة أو مركزاً أو مستشفى.

ولعل هذا يذكّرنى بالشاعر الساخر عبدالحميد الديب الذى عثروا على جثته فى الأربعينيات بعد مرور 20 يوما على وفاته فى قصر العينى.. وكان هذا الشاعر قد تنبأ بحظه قبل موته بسنوات حينما رأى الدنيا تعانده على طول الخط فقال:

إن حظى كدقيق نثروه فى يوم عصف

ثم قالوا لحفاة قوم اجمعوه

إن من أشقاه حظه أبدا لن تسعدوه

ولك أن تتأمل أحوال بلادنا وأحوال بلاد أخرى.. فمترو الأنفاق فى لندن تأخر لمدة 9 دقائق فقط.. فدفعت هيئة المترو تعويضا لكل الركاب عن هذه الدقائق القليلة التى أضاعوها من عمرهم وعملهم.

إننا أمة تضيع أعمار أبنائها وصحتهم وكرامتهم بلا ثمن.. لقد أصيبت أمتنا فى أخلاقها.. وصدق حافظ إبراهيم:

وإذا أصيب القوم فى أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً.

صدقت يا سيدى والله.. وعلينا اليوم أن نقيم المأتم والعويل على أخلاقنا التى ذهبت أدراج الرياح، ويبدو أنها لن تعود قريباً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية