انتفض سامر واقفا، وبدأ يضرب كفا بكف، وهو يضحك بطريقة هستيرية، ويطلق أصواتا وشتائم «أبيحة» أبشع من تلك التي وجهها السبكي لمحمد رمزي!
كان الإعلامي خالد صلاح على شاشة قناة «النهار» متألقا، ومتأنقا، ويمط شفتيه محاولا تقبيل نفسه من فرط النشوة، وهو يقدم لنا نموذج النضال الوطني، فارس جمهورية زفتى الإعلامي الكبير الأستاذ محمد فودة.
طوح سامر الريموت بحركة مسرحية، وهو يردد بأداء تاريخي مصطنع «اليوم خمر، وغدا بودرة بإذن الله»!
شاركه صاحبه الضحك، وقال بنفس الأداء: «اليوم خمر ونساء، وغدا نلبس محمد بن فودة نائبا في البرطمان»!
حكى لي سامر عن المسخرة (حسب تعبيره) وسألني: هي البلد دي مش هتنضف بقى؟، يعني هنعمل ثورة كل شهرين، ودول يعوموا ع الوش دايما؟
لم أرد، لأن المساخر أصبحت استايل حياة في مصر، فأنا لا أعرف طبيعة الوضع القانوني الذي يسمح لحرامي رسمي (بحكم محكمة) بالترشح كنائب للشعب! وإذا كان القانون يسمح برد الاعتبار في السابقة الأولى، فكيف تسمح الأخلاق؟، وكيف تسمح السياسة، وكيف يسمح الإعلام الشريف!؟
كيف يتغزل «إعلامي شريف» مثل خالد صلاح في فاسد تم الحكم عليه في قضية رشوة وسمسرة وتسهيلات فساد، وتمت إدانته وحبسه؟
قد يكون خالد مغلوبا على أمره، لأن فودة العائد بقوة، ليس مجرد ضيف في برنامج، فقد أصبح بعد خروجه من السجن رقما صعبا في معادلة الإعلام، يكتب المقالات، ويمتلك نسبة كبيرة من الأسهم في القناة التي يقدم فيها خالد برنامجه، وفي الصحيفة، وفي سوق الإعلانات، وفي العلاقات، وفي السهرات، وحتى في الدورات الرمضانية لكرة القدم!
بعودة فودة، كفارة يا مروض الإعلاميين، وساحر المشتاقين، والنموذج الذي يجب أن يحتذيه كل مصري في العمل الاجتماعي والمدني (حسب تعبير خالد صلاح).
القصة كبيرة، لأن مافيا الفساد توغلت، وعصابات تغييب الناس توحشت، وأصبحت المصيبة أكبر وأخطر من أن نواجهها بمقال غاضب، يتبعه كام تعليق للتنفيس، ثم دعه يعمل دعه يمر، لذلك أعود لتصحيح صاحبي بمقولة امرؤ القيس الأصلية: «اليوم خمر، وغدا أمر، لا صحو اليوم ولا سكر غدا»، فقد آن لنا أن نواجه مثل هذه الظواهر بأنفسنا، لأن مجرد ظهورهم، وتدخلهم في الشأن العام، إهانة لفكرة الثورة (حتى ولو لم تتحقق أهدافها بعد)، بل إهانة للعقل والأخلاق، واحترام الذات.
كنت قد وعدت بفتح ملف الإعلام، واقتحام وكر الثعابين، وفضح شبكات المصالح، وأوليجارشيا الفساد المنظم، ولكي تؤتي هذه الحملة ثمارها، يجب التحضير لها جيدا، ويجب دمجها مع التحرك السياسي الفعال لحماية الثورة ومبادئها، فلا يجب أن تتوقف الحملة عند التعليقات النقدية العابرة لظواهر مثل عودة فودة لساحة العمل العام، وترشحه نائبا في «برلمان الثورتين» تحت غطاء من القصف الإعلامي الممنهج الذي يستهدف غسيل تاريخه، وتقديمه كنموذج للمناضل الوطني خادم الشعب.
المشكلة ليست فودة، وليست ريهام سعيد، ولا خالد صلاح، ولا غيرهم من النماذج التي أساءت للإعلام وللسياسة، ولصورة مصر ومستواها، المشكلة في ارتباط هؤلاء وأمثالهم بمنظومة فساد بشعة تستخدمهم، وتسمح للصوص والمنافقين وسماسرة الفساد بالاستمرار كوجهاء للمرحلة.
هذا ما يجب أن نواجهه بقوة، وأعاهدكم بفتح ملفات السقوط قريبا، فقد بدات تشكيل فريق بحثي باسم «رأس السمكة» لجمع المعلومات، والمواجهة بالحقائق وليس بمجرد الرأي، فلا تنتظروا بسلبية، استعدوا للمشاركة.