الحوثيون «أنصار الله»، جماعة «مُجَيَّشَة» منشقة عن الشيعة الزيدية باليمن، أقرب للاثنى عشرية السائدة بإيران، عددها نصف مليون نسمة، تقطن صعدة والجوف وعمران وحجة، ظهرت 1992 فدعمتها الحكومة، بدأت إيران تسلحها 2004، شكلت جيش ميليشيات «30 ألف مقاتل» تدرب بمعسكرات شمال أسمرة «مرسى بريطى- مرسى حسمت- متر»، وبجزر دهلك الكبرى ونهلق، بمعرفة خبراء من إيران والعراق وحزب الله.. فى غياب كامل للوجود العربى بإريتريا «العربية».
خاضوا ست جولات من المواجهة مع الحكومة، التى ضبطت سفينة إيرانية محملة بأسلحة مضادة للدروع أكتوبر 2009.. وفى نوفمبر اخترقوا الحدود بالسلاح، واحتلوا قرية الخوبة السعودية بجازان، تمكن الجيش السعودى من طردهم أواخر يناير 2010، إخوان مصر أصدروا آنذاك بياناً شديد اللهجة يدعو السعودية لوقف «عدوانها» على الحوثيين!!
ركبوا ثورة 2011 ضد على عبدالله صالح، وكثفوا من معدلات التسليح الثقيل، حتى ضبطت السلطات إحدى السفن الإيرانية تحمل 48 طن أسلحة ومتفجرات، يناير 2013، ومع ضعف الحكومة، وتشتت الجيش لمواجهة «القاعدة» سيطروا على صنعاء 21 سبتمبر، وأطلقوا سراح عناصر الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله اللبنانى المتورطين فى تدريبهم من مقر الأمن القومى، ثم تمددوا للحديدة، إب، زمار، حجة.
ظل الدعم الإيرانى للحوثيين أحد أسباب توتر العلاقات الإيرانية السعودية، لكن بوادر تحسن بدأت منذ منتصف 2014.. مايو، وجَّه سعود الفيصل الدعوة لنظيره الإيرانى لزيارة الرياض.. أغسطس، أعادت إيران تعيين حسين صادقى، سفيرها السابق بالسعودية والمعروف بمواقفه الإيجابية، كبادرة لتبديد مناخ الشك الناتج عما أشارت إليه التحقيقات الأمريكية فى محاولة اغتيال السفير السعودى بواشنطن أواخر 2011 من احتمال تورط إيران.. وزار حسين أمير عبداللهيان، نائب وزير الخارجية الإيرانى، جدة للتنسيق فى مواجهة «داعش»، وهى أول زيارة لمسؤول إيرانى كبير منذ انتخاب الرئيس روحانى.. 6 أكتوبر زار السفير الإيرانى ببيروت نظيره السعودى بمقر السفارة للتهنئة بالعيد الوطنى، مصطحباً وفداً من حزب الله اللبنانى، فى مبادرة جديدة للتقارب.
بعض المحللين يرى أن التمدد الحوثى تم بموافقة سعودية كاختيار بين بدائل أحلاها مُر، فالحكومة المركزية ضعيفة، والجيش منهك ومشتت فى مطاردة «القاعدة»، و«داعش» شمال السعودية تفرض تركيز الجهود وإعادة ترتيب الأولويات، بعض الشواهد عززت ذلك التصور.. مباركة السعودية لاتفاق السلام بين الحكومة اليمنية والحوثيين 21 سبتمبر، ولقاء وزير الخارجية السعودى مع نظيره الإيرانى بنيويورك فى اليوم التالى، وتصريح المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية أن زيارة وزير الخارجية للرياض أدرجت على جدول أعماله.. كما أشار الكاتب الشهير «ديفيد هيرست» فى مقاله بصحيفة «هوفينجتون بوست» الأمريكية إلى سلسلة اجتماعات جرت بين مسؤولين سعوديين وإماراتيين وممثلين عن الحوثيين فى بريطانيا والسعودية والإمارات نسقها أحمد على صالح سفير اليمن بالإمارات ونجل الرئيس اليمنى السابق.
والحقيقة أن مخاوف السعودية من الحوثيين قد تفرض التعامل ببعض الحذر مع ذلك التحليل، فقد خاضت السعودية معارك جدية لتحرير الخوبة 2009، خسرت فيها 500 شهيد وجريح، وهى ترصد محاولات الحوثيين التواصل مع شيعة الجنوب وتسليحهم، كما تتفهم أبعاد الطموح الإيرانى فى التواجد قرب باب المندب، وأدرجت الحوثيين على قوائم التنظيمات الإرهابية مارس الماضى، وهى بصدد الانتهاء من إقامة جدار حدودى خرسانى مكهرب مع اليمن يمتد من البحر الأحمر غرباً وحتى حدود سلطنة عُمان شرقاً، بطول 2000 كيلومتر وارتفاع ثلاثة أمتار مزود بأنظمة رصد إلكترونى لمنع التسلل ووقف أنشطة الحوثيين والقاعدة.
تطورات الأيام التالية أكدت مبرر التخوفات السعودية.. الرئيس الإيرانى حسن روحانى اعتبر أحداث اليمن جزءاً من «النصر المؤزر والباهر» الذى تدعمه إيران.. عبدالكريم الخيوانى، القيادى بجماعة الحوثيين، أكد أنهم سيتوجهون لمحافظات اليمن الأخرى، وسينتقلون قريباً نحو الأراضى السعودية.. على رضا زكانى، عضو البرلمان الإيرانى، صرَّح بأن الثورة اليمنية لن تتوقف، بل ستمتد لداخل الأراضى السعودية.. مجتبى ذوالنور، نائب ممثل المرشد الإيرانى الأعلى فى الحرس الثورى الإيرانى، أشار إلى أن انتصار «الثورة الإسلامية» فى سوريا والعراق وغزة ولبنان واليمن سيفتح بوابة السعودية.
سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودى، ردَّ يوم 14 أكتوبر بالإشارة إلى أن «إيران فى كثير من نزاعات المنطقة جزء من المشكلة، وليست جزءاً من الحل، ففى سوريا مثلاً القوات الإيرانية قوات احتلال تحارب السوريين لأن النظام فقد شرعيته، والأمر ذاته يسرى على اليمن والعراق». نائب وزير الخارجية الإيرانى بدوره دعا السعودية لإنهاء وجودها العسكرى بالبحرين.. فى عودة صريحة للتراشق بالكلمات، لكن المباحثات بينهما مستمرة لم تنقطع.
■ ■ ■
فى مقالى «التمدد الإيرانى الشيعى.. وأمننا القومى» بتاريخ 28 سبتمبر 2014 أشرت للاعتبارات التى ينبغى مراعاتها فى التعامل مع إيران، وأهمها استبعاد الصدام المباشر، تجنباً لمزيد من الفوضى والارتباك.. وأضيف:
■ انتصار الحوثيين، وتشتت الجيش، وانتفاضة الحراك الجنوبى مطالباً بالاستقلال، شجعت «القاعدة» على التمدد بالمناطق الشرقية والجنوبية، وهنا ينبغى مراعاة أن الحوثيين والجنوبيين والحضارمة مهما اختلفوا فيما بينهم، او اختلفنا بشأنهم، فهم جزء من المكون الوطنى لليمن، واتفاقهم أمر مفروض لمواجهة إرهاب مرتزقة «القاعدة».
■ الدول المهددة بالتقسيم ينبغى أن تستعين بالصيغة الكونفدرالية للإبقاء على وحدتها.. حتى ولو كانت منقوصة.. مراعاة العدل فى توزيع الثروات على أقاليمها يجنبها الصراع، الجامعة العربية إن لم تتحرك بجهد علمى ومحايد للمساعدة فى ذلك فما مبرر استمرارها؟!
■ مطالبة جماهير صنعاء بانسحاب المسلحين وعودة الأمن، ومنع جماهير تعز «ربع سكان اليمن» الحوثيين من دخولها، يعيدان الشعب للصدارة داعماً للدولة فى مواجهة الميليشيات، وهو الذى سيحسم الأمر فى النهاية، مهما طالت المحنة.
■ ما تعانيه منطقتنا حالياً ثمرة بذور «الفوضى الخلاقة» التى زرعتها أمريكا منذ 2006، وهى بقدر ما تعكسه من أطماع استعمارية، فهى رد فعل لتصرفات وتهديدات رعناء وجهها بعض حكام العرب لأمريكا والغرب، وقد دفعوا، ودفعنا، ضريبة حمقهم.
■ مما يبشر بالأمل أن الغرب بدأ يدرك أن الفوضى تجاوزت المقدر، واشتعال المنطقة يطال مصالحهم، بعض المؤسسات الغربية تبحث عن أسباب المشاكل والتوترات والعنف بالمنطقة لعلاجها، مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى فى تقريره المنشور 29 سبتمبر أكد أنها نتاج للتنافس السعودى الإيرانى على الزعامة الإسلامية، واستثمار الانقسام الطائفى.. تشخيص للداء يحدد الدواء الذى ينبغى أن نتعاطاه جميعاً، عرباً وفرساً، سنة وشيعة.. ولعلها فرصة لاختبار جدية ما أكده الرئيس روحانى من «حرص على إنهاء الصراعات بالمنطقة خلال ولايته».
■ التقدير الرصين لتوازنات القوى بالمنطقة يعطينا الثقة، ويجنبنا مخاوف غير مبررة، إيران لا تستطيع إغلاق مضيق هرمز، فكيف نتصورها قادرة على إغلاق باب المندب؟!
■ ينبغى إعادة تنشيط لجنة التقريب بين المذاهب التابعة للأزهر الشريف.. ما حققته من إنجازات أجهضه تعصب الإخوان، وانحياز السلفيين، وبوهيمية التكفيريين، بعودة الحوار يتراجع البعد المذهبى والطائفى فى رسم السياسات، ونبدأ البحث عن المصالح المتبادلة، ليكسب الجميع.
■ وأخيراً.. مع كل ما فى الموقف من تعقيد، فإن أصعب ما فيه نقطة البداية.. لتبادر مصر والسعودية بالدعوة لاجتماعات تنسيقية مع إيران تمهد للقاء قمة يضع أسس نزع فتيل المواجهة بالمنطقة، ويعيد ترتيب الأوضاع من داخلها، ولصالح شعوبها.
ما نعيشه ربما كان كابوساً ثقيلاً، أو واقعاً مريراً.. لكنها مجرد حقبة زمنية.. ليست كل التاريخ.. ولا المستقبل.