ما إن يعجز المدافعون عن الاستبداد فى العثور على دفوع موضوعية حتى ينطلق الواحد منهم مرددًا نفس الجملة التى يرددها إعلاميو النظام: «أحسن ما نبقى زى سوريا والعراق»! وكأنه من المفترض أن نحيا بالخوف من الفشل، لا الأمل فى النجاح! وكأن قدرنا أن نقارن أنفسنا دائمًا بدول دمرها استبداد حكامها، حتى أصبحت شعوبها بين مطرقة الاستبداد وسندان الإرهاب! وكأنه لا يحق لنا أن نقارن أنفسنا بدول تسعى لإقامة أنظمتها على الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ولا أخفيكم سرًا، فكثير من المصريين لا يعرفون خطر أن نصبح مثل سوريا والعراق، حتى يحمدوا ربهم على ما نحن فيه الآن. فإذا أصبحنا مثل سوريا والعراق ستصبح الغلبة لمن يملك القوة، الذى سيشبع من ليس معه قتلا وسجنا وسحلاً دون رادع!
إذا أصبحنا مثل سوريا والعراق سيصبح الصوت لمن يملك القوة؛ ولن يكون هناك مجال لرأى غير محمى بالسلاح، فتصادر وسائل الإعلام وتغلق البرامج ويمنع كتاب من الكتابة إذا لم يكن الكاتب على هوى من يملك القوة!
إذا أصبحنا مثل سوريا والعراق ستنتشر محاكمات تفتقد ضمانات المحاكمة العادلة؛ وقد ينتج عن بعضها صدور أحكام بإعدام 500 شخص فى واقعة واحدة! وقد يتم الحكم على مواطنين بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين وارتكابهم جرائم عنف، ونكتشف بعد الحكم أن أحد المحكوم عليهم بالإعدام مسيحى وآخر متوفى منذ ثلاث سنوات! وقد يتعرض أطفال لم يتجاوزوا الاثنتى عشرة سنة للقبض والتعذيب!
إذا أصبحنا مثل سوريا والعراق، ستقطع الأرزاق، وقد يدفع ذلك البعض إلى الانتحار شنقًا على الطريق العام أو حرقًا أمام مجلس الوزراء، أو عن طريق تقطيع شرايين أيديهم فى مكان عملهم الحكومى أملاً فى الانتقال إلى جوار من هو أرحم بهم!
إذا أصبحنا مثل سوريا والعراق لن يكون هناك من يقدر على إدارة المرافق بشكل جيد، فتنقطع الكهرباء والمياه عن المنازل وتحدث أزمات فى الوقود!
إذا أصبحنا مثل سوريا والعراق، سينتشر التعذيب فى أماكن الاحتجاز، ولن يحاسب المجرم لأنه مسنود ممن بيده القوة!
إذا أصبحنا مثل سوريا والعراق لن تتمكن من تعليم أبنائك تعليما ينمى مواهبهم، وإذا مرضت لن تجد مستشفيات تعالجك، إلا إذا امتلكت أموالا طائلة!
دعنى أذكرك بأن كل تخوفاتك من الانهيار تحدث فعليًا لكنك تخشى أن تواجه الحقيقة، وأن النظام السورى ظل سنوات طويلة يبرر استبداده لشعبه بذات العبارة مع تغيير بسيط «بدكون يانا نصير متل لبنان؟ يعنى عاجبكون حال لبنان!»، والحقيقة أن الاستبداد هو ما دفع تلك البلاد لهذا المصير! فالاستبداد يقيم حكمًا قائمًا على القوة فقط، فمن يملك القوة هو من يضع القواعد، رغما عن باقى الأطراف؛ وهنا يبدأ التفكير فى أن امتلاك القوة هو السبيل الوحيد للتغيير. عندئذ يبدأ انتشار ما نسميه إرهابًا، الذى سرعان ما سيجد مصادر تمويل كلما زادت كان قادرًا على إقرار قواعده إلى أن يستنزف موارد الدولة ويهدمها! فانتبه، لأن ما تدعمه من استبداد خشية أن نصبح مثل سوريا والعراق، هو نفسه ما جعل سوريا والعراق يصلان إلى ما هما عليه الآن، وهو نفسه ما سيؤدى بنا ـ لا قدر الله ـ إلى مصير سوريا والعراق!
أعرف أنك قلق مثلى على مستقبل هذه البلاد. وأن معاناتك خلال السنوات الماضية تجعلك تركن للاستقرار الوهمى حتى ولو على حساب المستقبل! لكن تذكر دائمًا أن المعاناة مصدر كل أمل جديد، وأن الأمل لكى ينتصر يجب أن ينبذ الخوف من معاناة جديدة.