الوزير الذى يستمد قيمته من كونه وزيراً ليس جديراً بمنصبه، والعكس هو الصحيح، أى أن المنصب تصبح له قيمة عندما يتولاه من يستمد قيمته من علمه ومعرفته، وهى القيمة الباقية والمستمرة قبل وبعد الوزارة، والتى تجعل للمنصب قيمته.
قد يبدو هذا القول من البدهيات، ولكننا أصبحنا مع الأسف فى حاجة إلى التأكيد على كل البدهيات، والدكتور جابر عصفور الذى يتولى الآن منصب وزير الثقافة فى حكومة المهندس محلب، وهى حكومة «تاريخية» بحق تخوض معارك عسيرة على جبهات متعددة، نموذج للوزير الذى يعطى القيمة لمنصبه.
كان المثل الأعلى لجابر عصفور طالب الآداب، ثم أستاذ الأدب فى الجامعة، هو طه حسين الملقب بعميد الأدب العربى الحديث، ولم يكن من الغريب أن يكون طه حسين هو موضوع رسالة عصفور التى نال عنها درجة الدكتوراه. وطه حسين على المستويات المصرية والعربية والعالمية نموذج لما أطلق عليه المفكر الإيطالى جرامشى «المثقف العضوى» أى الذى يقبل العمل العام، ولا يتعالى على الواقع الذى يعيش فيه، ويعتبر دوره نظرياً، ويفضل أن يظل «نقياً» بدلاً من أن يتعرض لملوثات يفرضها الواقع.
والقيمة الكبرى للمعلم طه حسين، التى يتمثلها جابر عصفور، هى الدفاع عن حرية التعبير وحرية الفكر، ورغم الاختلاف بين الموقف السياسى لكل منهما، فالأستاذ مصرى ولا ينكر عروبة مصر، والتلميذ قومى عربى لا ينكر خصوصية مصر، والقيمة الكبرى لثورة 30 يونيو هى التصدى لتيار الإسلام السياسى الذى يتجاهل خصوصية مصر وخصوصية كل بلد أغلبية سكانه من المسلمين وتكفير كل من يخالفهم، بل قطع رقبته على طريقة ما يسمى «داعش».
وفى الأسبوع الماضى دافع جابر عصفور عن حرية التعبير فى الفنون، خاصة فن الرقص وفن السينما، وهاجم السلفيين، وهم من تيارات الإسلام السياسى، وعبر بهذا عن موقفه كمثقف ووزير، ويسانده فى ذلك كل المدافعين عن الحرية. ولكن كان من المدهش إلى حد الذهول الأصوات التى ارتفعت لتقول له «مش وقته»، وكأن هناك وقتاً للدفاع عن الحرية، وآخر يفضل فيه الصمت إزاء أى عدوان عليها. وإذا لم يدافع وزير «الثقافة» عن الحرية، وفى كل وقت، فمن الذى يدافع عنها؟!
تذكرت مرة أخرى قول مثقفة فرنسية صديقة «لماذا تفرح هكذا بثورة 30 يونيو، والاحتمال قائم بأن يحل السلفيون مكان الإخوان، وتكون لهم نفس الهيمنة»، قلت لها سوف يكون هناك مجال للجميع بحكم الدستور الجديد، ولكن لا مجال لمن يقف ضد ثورة رفضت الحكم باسم الدين، وعبرت عن شعب يرى أن الدين لله والوطن للجميع.