تمارس شركة فالكون عملها منذ سنوات طويلة، وتزايدت هذه الأعمال بعد ثورة/ نكسة/ انقلاب 30 يونيو المجيدة، وصلت لقمتها مع تولي «فالكون» حراسة سيادة المشير عبدالفتاح السيسي، المرشح الرئيسي والرئيس بعد ذلك، الذي قامت وزارة التعليم العالي في حكومته بمنح شركة فالكون عقد حراسة 15 جامعة مصرية.
ربنا يوسع من رزق الجميع، ولا ننظر في رزق أحد. رغم أني أندهش كل مرة من غباء وعمى بعض الزملاء وإصرارهم على طرح أسئلة من نوعية: ولماذا فالكون؟ وهل يجوز منح عقد بهذه القيمة دون مناقصة؟ وكأن البعرة لا تدل على البعير، بينما أسباب الأشياء لا تحتاج منهم إلا إغماض العيون لثوانٍ وتذكر ما كان من أسابيع.
هؤلاء الأحباء يسبحون في أوهام الدولة العميقة، دولة القانون والدستور والحريات المدنية والعدالة والشفافية. ندعو الله أن يكشف الغمامة يوماً ما عن أعينهم. أو أن يتوقفوا عن الاستعباط ويسيروا دون الثرثرة السقيمة في نظام السبوبة النظام الحاكم والمسيطر والذي لخصه المشير السيسي وقت أن كان فريقاً حينما قال "تدفع .. تاخد".
سوف يتضايق الطلبة من فالكون بالطبع، وستحدث اشتباكات بين الاثنين، لكن دون اعتراض الأساتذة ودون أي موقف واضح يتبناه أساتذة الجامعات المصرية اتجاه الحريات الجامعية فلا تغيير. ستستمر فالكون رغم المعارك. ستنفجر فيهم القنابل والمولوتوف وسيسقط منهم ومن الطلبة المزيد من الشهداء. لكن هذه المرة لن يكونوا شهداء بل خسائر في كشف الإنتاج لا أكثر ولا أقل.
هذا المقال ليس الغرض منه مهاجمة شركة فالكون، ولا الدفاع عن حرم جامعي، جامعاته لم تعد إلا محاكاة لسلسلة تسلط تصنع المواطن الخائف واللاحس والموالس للسلطة، المعتمد على الغش والتزوير والفهلوة كأسلوب حياة. بل على العكس تحاول هذه التدوينة التفكير في مسار آخر، فإذا كان ولابد من الاتجاه نحو هذا الجحيم، لنتجه إذن بسرعة، ولنتقبل ما تعطيه لنا الحياة. لنبيع أنفسنا وحياتنا لشركة فالكون، لعل الخلاص يكون في يد الوحش الذي تستهين به.
أعرف أيضاً أن السيد المستشار رئيس محكمة استئناف القاهرة ليس مرتاحاً لإجراءات تفتيش الطلبة، ويري أن ما تقوم به الشركة مخالفاً للقانون، لأنها ليست تابعة لأحد أجهزة الدولة وبالتالي لا يمكن لوزير العدل منحها الضبطية القضائية. شكراً لمداخلة معالي سيادة المستشار وتذكيره لنا بهذا العالم القديم الجميل، حيث هناك دستور وقانون ووزير عدل. لكن هذه الدولة التي يعيش داخلها سيادة المستشار أصبحت نظاما موازيا لحياة الناس الحقيقية ويتضاءل تأثيرها على حياتهم، لذلك لكى يمكنها استعادة الأمن في الجامعات ليس لديها سوى الاستعانة بشركات أمن من العالم الحقيقي، وليس هناك أفضل من الشركة التي حرست وحمت سيادة المشير الرئيس لكى نأتمنها على الوطن.
أنا أدعم بكل القوة تأمين «فالكون» للجامعات، وأدعو الشركة لاستثمار عائدات حراستها للجامعات لتوسيع مجالات خبراتها ورفع مستوى تدريب أفرادها، وفي تكوين تحالفات سياسية متعددة تمكنهم من الحصول على عقود أكثر. نتمنى مع العام الدراسي القادم أن تتولى فالكون تأمين المدارس لا الجماعات فقط، وأن تتوسع في تعاونها مع وزارة الداخلية لتتولى حراسة مبانى المحافظات، والوزارات وغيرها من الهيئات.
نتمنى على الرئيس السيسي بنهاية مدة رئاسته الأولى أن تتولى «فالكون» حراسة شوارع وأحياء كاملة وتنشئ مراكز لتسجيل الشكاوى ويصبح لديها خط ساخن لتلقي البلاغات، وتتطور «فالكون» ليصبح لديها قسم خاص بالتحقيقات الجنائية وتقدم خدماتها بمقابل مادى للمواطنين.
نحلم بعالم سعيد لمصر جديدة، تتولى «فالكون» فيه جميع خدمات الأمن والتأمين ومكافحة الجريمة مقابل اشتراكات أو مبالغ وأسعار محددة يستفيد منها جميع المواطنين، في حين تتفرغ وزارة الداخلية لمكافحة الإرهاب وتقليب الفلوس في مخالفات المرور وإصدار الرخص والبطاقات.
إن وزارة الداخلية أثبتت فشلاً ذريعاً واضحاً للجميع في مكافحة الجريمة طوال السنوات الماضية، بينما برز نجاحها في تحرير المخالفات المرورية وإصدار بطاقات تحقيق الهوية وجوازات السفر والأعمال المكتبية. لذا يمكن الاكتفاء بعمل وزارة الداخلية في هذا المجال فقط، وتسليم باقي مهام الأمن والأمان لشركة فالكون. أما القانون الذي ينزعج البعض من مخالفته فيمكن أن نغيره ليوفق هذه الأوضاع.
حاول تخيل مصر جديدة سعيدة، إذا تعرضت فيها لجريمة لا سمح الله ولنقل سرقة سيارتك، تذهب إلى مقر شركة فالكون الأقرب لك، حيث تأخذ رقما وتجلس في مكان مكيف كمراكز خدمة شركات الاتصالات، ثم ينادي عليك موظف مبتسم، يتلقى بلاغك وتدفع له مقابلا ماديا، ثم تذهب إلى منزلك ويتصل بك بعد أيام ليقول إنهم عثروا على السيارة وجاهزة لكى تستلمها، ما إن تدفع فاتورة تكاليف استردادها. أليس هذا أفضل من الوضع القائم حيث تصل إلى القسم وتقدم بلاغا لن يحدث فيه أي جديد إلى أن يعطيك مخبر في القسم رقم اللصوص لتتصل بهم فيطلبون مبلغا يوازى على الأقل نصف ثمن السيارة!.
أعرف أن قطاعا من محبي الدولة القديمة وأبناء الدستور والقانون سيعتبرون هذا الكلام هلاوس، لكنه واقع الآن، وأبناء النظام العالمى الجديد وماكدونلدز الذي مر عليه عشرون عاماً في مصر سيتقبلون نظام تدفع تاخد خدمة أحسن، بدلاً من نظام نحن الداخلية، نحن فشلة، نحن ننفذ القانون، نحن لا نعرف كيفية إبطال قنبلة، وزيرنا لا يمكن لأحد إقالته، وهو دا النظام إن كان عاجبكم.