بينما الحجيج يتوافدون على مكة فى اليوم الأول من شهر ذى الحجة، والكل منشغل بطواف القدوم، والأهل والأحباب فى بلدانهم ينتظرون عيد الأضحى وعودة الحجيج بعد تسليم أمانات الدعاء إلى رب العالمين فى رحاب الحرم المكى، كان الطفل محمود خليل الحصرى يصرخ أول صرخاته فى الحياة.
ولد القارئ الجليل فى قرية «شبرا النملة»، طنطا غربية، فى غرة ذى الحجة سنة 1335 هـ الموافق 17 سبتمبر من عام 1917، وكعادة الآباء فى هذا الزمان، أرسله والده للكتاب وعمره 4 سنوات لحفظ كتاب الله، فأتمه فى الثامنة، والتحق بالمعهد الدينى فى طنطا، قبل أن يتعلم القراءات العشر فى الأزهر، وفى عام 1944م تقدم إلى امتحان الإذاعة وكان ترتيبه الأول على المتقدمين للامتحان، ثم فى عام 1950م عين قارئاً للمسجد الأحمدى بطنطا، وفى عام 1955م قارئاً لمسجد الحسين بالقاهرة.
يخطو الحصرى خطواته داخل مبنى البيت الأبيض، بثقة، حاملا القرآن. يعرف جيداً أنه أول من سيتلو كتاب الله فى هذا المكان، ولا يعرف لماذا تذكر عام 28، حين كان شيخ الخفر يدعوه للقراءة فى بيته، ويتركه وحيداً فى صحن الدار ليقرأ بعد صلاة العشاء حتى أذان الفجر. فى مقر الحكم الأمريكى، ما إن بدأ القراءة أمام الحضور حتى ذابت روحه فيما يقرأ، كما اعتاد دائماً، لدرجة أنه بعد هذه الواقعة بسنوات، عندما حملت الجماهير فى ماليزيا سيارته وهو بداخلها على الأعناق، ظل منشغلاً بترديد كلمات الله، دون أن يدرك ما حدث.
اعتاد الشيخ الحصرى أن يبدأ يومه مع أذان الفجر، وأن يكون الرائد والبادئ فى كل حياته. كان أول من سجل القرآن برواية حفص عن عاصم، وأول من سجل القرآن برواية ورش عن نافع، وأول من سجل القرآن برواية قالون ورواية الدورى عن أبى عمرو البصرى، وأول من سجل القرآن المعلم «طريقة التعليم»، وأول من رتل القرآن بطريقة المصحف المفسر، وأول من رتل القرآن فى الأمم المتحدة والقصر الملكى فى لندن.
كان مدرسة كاملة، ترك مؤلفات تواصل دوره بعد رحيله، منها.. «أحكام قراءة القرآن الكريم»، و«لنهج الجديد فى علم التجويد». عمل مفتشاً للمقارئ المصرية، ونائباً لرئيس لجنة مراجعة المصاحف وتصحيحها بالأزهر الشريف ثم رئيساً لها بعد ذلك، وتولى العديد من المناصب إلا أنه فى عام 1980 م عاد من رحلته من السعودية مريضا وقد زاد عناء السفر وإجهاده من مرضه الذى كان يعانى منه وهو القلب، وفى يوم الاثنين 24 نوفمبر 1980، فاضت روحه إلى بارئها، وكان قد أنهى صلاة العشاء بثوان، وكأنه كان يلقى «سلام ختام التحيات»، على الملكين المستعدين لاستقبال روحه.