الانتصارات فى المعارك لا تضمنها الاستعدادات العسكرية فقط، وإنما لا بد أن تكون الجبهة الداخلية مستقرة وموحدة، وقد وعى السادات – رحمه الله – هذه الحقيقة جيدا، لذلك عمد إلى جعل الجبهة الداخلية جزءا من خطته للمعركة المرتقبة، وقد نشرت فى الأسبوع الماضى وفى نفس هذا الموضع أن السادات بدأ إعداده للجبهة الداخلية بتخلصه من مراكز القوى، أول العوائق أمام سيطرته على الحكم وقدرته على اتخاذ القرار، ثم أتبع تلك الخطوة بخطوات أخرى لعل أهمها:
1 - التقارب مع جماعة الإخوان: رأى السادات أن جماعة الإخوان كانت أحد الأسباب المهمة فى إثارة المشكلات لعبدالناصر من وقت إلى آخر ومهادنتها فى هذه المرحلة الخطيرة ضرورة لا بد منها، لذلك قرر فتح صفحة جديدة معها وأعطاها قدرا من حرية الحركة ليظهر نظامه الجديد نظاما ديمقراطيا، لا يهمش أحدا ولا يقصى أحدا بل يكسب شعبية كبيرة فى مصر والدول العربية والإسلامية، وفى الوقت نفسه يحافظ على تماسك الجبهة الداخلية بتأجيل أى مواجهة محتملة مع جماعة الإخوان، هذا بالإضافة إلى إمكان السادات توظيف الجماعة – خاصة بعد التخلص من مراكز القوى – فى تشكيل حائط صد لمواجهة الناصريين والشيوعيين فى المستقبل المنظور.
بدأت لقاءات السادات بأعضاء جماعة الإخوان فى صيف عام 1971 فى استراحة الرئاسة بـ«جناكليس» فى الإسكندرية وقد حرص السادات فى تلك اللقاءات على إبداء رغبته فى العمل معهم، وأكد لهم أنه يشاركهم كراهيتهم للإلحاد والملحدين واستعداده لأن يكون إلى جانبهم فى الحد من هذه الأفكار ومحاسبة من يروجون لها وأنه لا مانع لديه من أن تعود الجماعة لممارسة نشاطها فى العلن والسماح للقيادات التى لا ترغب فى البقاء داخل مصر، للهجرة إلى البلاد التى تود الذهاب إليها.
ربح السادات بتلك الخطوة شعبية كبيرة بعد ما ظهرت آثارها فى الإفراج عن المعتقلين الإسلاميين والإذن لهم بنشر صحفهم ومجلاتهم وعقد الاجتماعات العلنية وإنشاء الاتحادات الطلابية بالجامعات والمدارس وإطلاق المسيرات الاحتجاجية، وبذلك ضمن السادات تحييد الجماعة إلى حين، وتأجيل المواجهة معها لما بعد حرب أكتوبر.
2 - تكثيف الجهود الاستخباراتية لمواجهة عملاء إسرائيل: من أكبر المخاطر التى كانت تهدد العمل العسكرى المصرى ضد إسرائيل، هو وجود عدد من العملاء والجواسيس الذين كانوا يعملون لحسابها إما فى مصر أو إسرائيل، وقد كثفت المخابرات العامة جهودها لمواجهة هؤلاء ونجحت فى إسقاط عدد كبير منهم، وكان أخطرهم:
هبة سليم - والتى كانت تحصل على معلوماتها من شخصية كبيرة داخل القوات المسلحة، وكان من الممكن أن تقلب تلك المعلومات ميزان المعركة لو لم يتم القبض على هذه الجاسوسة، وقد ألقى القبض عليها فى أواخر عام 1971.
راند بولو - وكان صاحب مزارع عنب بالإسكندرية ومن أهل البيت كما يقال وعلى اتصال بسلطات عالية جدا بالدولة وقد استخدمته السفارة الأمريكية فى التجسس على إحدى القواعد السوفيتية القريبة من مزرعته وما كانت تقوم به من أنشطة، وقد نجحت المخابرات المصرية فى أن تلتقط له 3 رسائل مكتوبة بالحبر السرى تتضمن معلومات مهمة عن القاعدة السوفيتية، وتم إلقاء القبض عليه بمنطقة العجمى.
جدير بالذكر، أن المخابرات العامة المصرية لم تقف عند حدود مطاردة الجواسيس فقط، وإنما نجحت فى تجنيد 10 عملاء لها داخل فرق الجيش الإسرائيلى الموجودة بخط بارليف ولم يستطع جهاز «الشين بيت» أو إدارة الأمن العام الإسرائيلية المختصة بمكافحة التجسس اكتشاف هؤلاء العملاء.
3 - بناء خريطة جديدة للعلاقات المصرية: مثلما أدرك السادات أهمية الحفاظ على سلامة الجبهة الداخلية كان لا بد له من بناء تحالفات تعينه عندما يتخذ قرار الحرب أو على الأقل تلتزم الصمت، وفى هذا الخصوص سعى السادات أولا إلى رأب الصدع الذى كان حاصلا بين مصر والدول المحسوبة على الولايات المتحدة «السعودية والأردن» وكذلك اتصل بسوريا «العمق الاستراتيجى لمصر» واتفق معها على خوض الحرب جنبا إلى جنب، كما استشعر السادات أنه من الضرورى التقرب للولايات المتحدة باعتبارها – من وجهة نظره – تملك 99% من أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط، لهذا قام بطرد الخبراء السوفيت فى عام 1971 ومع ذلك وجد الاتحاد السوفيتى نفسه وحرصا على عدم تدهور علاقاته بمصر مضطرا لتقديم المزيد من الأسلحة بل وإبرام معاهدة تكتيكية للصداقة والتعاون بين الدولتين من أجل قطع الطريق أمام مزيد من التقارب بين السادات والولايات المتحدة.