x

هاني رسلان مشكلة حلايب.. ولماذا تُثار دورياً؟ (2- 2) هاني رسلان الإثنين 06-10-2014 21:51


فى المقال السابق أوضحنا أن الاتفاقية الوحيدة لتعيين الحدود بين مصر والسودان هى اتفاقية 1899، التى تنص على أن الخط الفاصل بين مصر والسودان هو خط 22 شمال الاستواء، بما يعنى قطعياً أن مثلث حلايب يقع داخل الحدود المصرية، وأشرنا إلى أن القرارات الإدارية التى أصدرها ناظر الداخلية المصرى فى 1902 و1904، بتبعية المثلث للحاكم العام البريطانى الذى تعينه مصر لا تنشئ سيادة.

ومنذ أن أثيرت المشكلة عام 1958، ومع تجميد الشكوى السودانية، بقى الوضع على ما هو عليه، إلى أن اتجه الرئيسان نميرى والسادات إلى إطلاق عملية التكامل المصرى- السودانى، الذى نشأت له مؤسسات وبرلمان مشترك تمت تسميته برلمان «وادى النيل»، وشركات للاستثمار، وإذاعة وادى النيل، وكان التحرك بين البلدين يتم بالبطاقة الشخصية. ولذلك لم تكن هناك أهمية تذكر للخلاف حول حلايب فى هذا الإطار التكاملى الأوسع.

ومن المعروف أن الصادق المهدى قد قام بإلغاء التكامل فى وقت لاحق، ثم جاء نظام الإنقاذ السودانى عبر انقلاب دبره الترابى عام 1989 لكى تُثار المشكلة وتتحول إلى قضية مزمنة، حيث بادر النظام الجديد فى 1991 بمنح امتياز للتنقيب فى المياه الإقليمية لحلايب لإحدى الشركات الإيطالية، ولم يكن أمام مصر سوى الطلب من هذه الشركة أن ترحل، فجاء رد نظام الإنقاذ القيام بتعبئة شعبية هائلة عبر تكوين ما يسمى «الجبهة الشعبية لتحرير حلايب» مع تسيير المظاهرات والسعى لإثارة القضية وتوظيفها لنشر مشاعر سلبية تجاه مصر، وذلك فى سياق أوهام القوة والتوسع التى تبناها الترابى، فى الوقت الذى كان فيه السودان يفتح أراضية لـ«بن لادن» والظواهرى والعناصر الإرهابية التى قامت بعمليات عدة ضد مصر، كان من بينها محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى عام 1995.

عقب خروج الترابى من السلطة عام 2000 وانقضاء هذه المرحلة، ظلت مشكلة حلايب تثور بين حين وآخر، لأسباب وأهداف مختلفة، وأصبحت مثل حصان طروادة، فمعارضو النظام يثيرونها لإحراج نظام الإنقاذ واتهامه بالتفريط باعتبار أن أولوياته هى مجرد البقاء فى السلطة وتحاشى الصدام مع مصر، إضافة إلى أن عناصر ما يُعرف بقوى الهامش فى السودان ظلوا يسعون أيضا لاستخدام حلايب للتشويش على أى تقارب قد يلوح فى الأفق مع مصر، باعتبار أن هذا يصب فى صالح الوسط النيلى الذى ترى هذه القوى أنه يمارس استعمارا داخليا للمناطق الطرفية فى السودان. فى السياق نفسه، ظل نظام الإنقاذ بدوره يلجأ إلى إثارة هذه القضية فى مراحل التوتر مع مصر ويصمت عنها ويداريها فى مراحل التحسن، وإن كان يلجأ أيضا إلى إثارتها مرات لمواجهة الاتهامات الداخلية له بالتفريط.. وهكذا وقع نظام الإنقاذ أسيرا للمشكلة التى قام هو بتصعيدها فى البداية.

اللافت هنا أن تصوير حلايب بأنها قضية هوية وطنية يتم بالاستناد إلى مبررات واهية، من عينة أن السكان امتداد لقبائل البجا السودانية، علما بأن عناصر من قبائل أخرى، مثل العبابدة والبشارية، يمتدون بين مصر والسودان، فهل يمكن اعتبار هذه أراضى سودانية أو العكس، لأن هذه القبائل عابرة للحدود؟ وفى الإطار نفسه نشير إلى أن قبيلة الزغاوة، التى تحكم تشاد حاليا، لها تواجد كبير ومؤثر داخل دارفور، فهل يمكن ضم هذه الأجزاء من دارفور إلى تشاد استنادا لهذا الوجود القبلى، خاصة أن الرئيس التشادى إدريس ديبى نشأ لدى فرع قبيلته فى دارفور، بل وتحرك منها لإسقاط الرئيس الأسبق حسن حبرى؟

الأمر المثير للتساؤل أن تصوير حلايب باعتبارها محددا للوطنية السودانية، وإثارة ضجة لا سند لها، يتراجع ويختفى فى حالة منطقة الفشقة السودانية التى تحتلها إثيوبيا، والتى وافقت إثيوبيا مؤخرا على إعادة جزء يسير منها فى سياق إقامتها لسد النهضة، وبالتالى تبدو المشكلة أعمق من كونها خلافا حدوديا، حيث هى حالة كاملة من المشاعر السلبية التى خلقها نظام الإنقاذ ذو المرجعية الإخوانية للصدام مع مصر، بسبب أوهام ذات طبيعة مركبة لا يتسع لها سياق هذا المقال.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية