x

رسالة مهرجان كان: نادين لبكى تواصل التألق فى «هلا لوين»

الأربعاء 18-05-2011 17:01 | كتب: سمير فريد |
تصوير : أحمد المصري

فيلمان عرضا الإثنين فى المهرجان ويهمان كل الناس فى مصر والعالمين العربى والأفريقى، ويمكن لكليهما أن يحققا نجاحاً جماهيرياً كبيراً إذا توفر لهما الموزع الذكى الذى يدرك أن جمهور السينما تغير بدوره بعد ثورة العرب هذا العام، ولم يعد يكتفى بالتسلية لمجرد قضاء الوقت هرباً من الواقع ويأساً من تغييره، وإنما أصبح يريد أن يغير كل شىء ويشارك فى تقرير مصيره، ولا يقبل الاستخفاف بعقله، أو اعتبار مشاعره رخيصة وعواطفه مبتذلة.

الفيلمان هما «هلا لوين» إخراج اللبنانية نادين لبكى، الذى عرض فى برنامج «نظرة خاصة» خارج المسابقة، و«الهافر» إخراج الفنلندى آكى كيورسماكى، الذى يعتبر من أكبر فنانى السينما فى بلاده وأوروبا والعالم، والذى عرض داخل المسابقة.

فى العرض الأول الرسمى لفيلم نادين لبكى فى العاشرة مساء كانت القاعة كاملة العدد قبل عشر دقائق من بدء العرض، وقدم تيرى فيرمو، مدير المهرجان، فريق الفيلم وعلى رأسه المخرجة، ورحب بهم وقال: «هذا أول عرض لفيلم عربى فى هذه الدورة التى تستضيف مصر صاحبة السينما العظيمة، وهنا صفق الحضور وكان منهم الكثير من العرب، خاصة اللبنانيين، كما رحب بحضور عمرو واكد، الذى وقف أمام مقعده لتحية الجمهور. ثم تحدثت نادين لبكى بالفرنسية والعربية ووجهت تحية حارة إلى المنتجة الفرنسية آن - دومينيك توسانيت التى أنتجت الفيلم بمشاركة المنتج التونسى العالمى طارق بن عمار من خلال شركته الإيطالية، والمنتج المصرى هشام عبدالخالق من خلال شركته المصرية، وبدعم من مؤسسة الدوحة للسينما فى قطر، وعلى عناوين الفيلم المطبوعة بالعربية أنه إنتاج فرنسى - لبنانى - مصرى.

العرض فى «نظرة خاصة» خارج المسابقة، ولكن هناك جائزة واحدة باسم البرنامج تمنحها لجنة تحكيم خاصة يرأسها هذا العام فنان السينما اليوغسلافى العالمى الكبير أمير كوستوريتشا، وفيلم مخرجتنا اللبنانية جدير بالفوز بها، وهو الفيلم الوحيد الناطق بالعربية فى برامج المهرجان إلى جانب الفيلم المصرى «18 يوماً» الذى يعرض فى برنامج «مصر ضيف المهرجان».

هذا هو الفيلم الروائى الطويل الثانى لمخرجته بعد «سكر بنات»، الذى عرض فى «نصف شهر المخرجين» فى مهرجان كان عام 2007، واعتبر من أهم «اكتشافات» المهرجان ذلك العام، وحقق نجاحاً دولياً كبيراً عند توزيعه فى عشرات الدول على نحو ربما لم يتحقق لأى فيلم ناطق بالعربية من قبل. وتؤكد نادين لبكى فى فيلمها الجديد أنها من المواهب الأصيلة على الصعيد العالمى، وليس فقط على الصعيدين اللبنانى والعربى.

إنها مؤلفة سينما بكل معنى هذه الكلمة، ليس لأنها تخرج وتمثل وتشترك فى كتابة سيناريوهات وحوارات أفلامها، وتغنى وترقص أيضاً، ولكن أساساً لأنها تعبر عن عالم فنى خاص بأسلوب بسيط وعميق فى آن، ومن النماذج القليلة للمخرجات العربيات اللواتى يصنعن أفلاماً يصعب أن يصنعها مخرجون رجال، فهى تعبر عن تفاصيل لا تدركها إلا النساء، وتصنع أفلامها من كل وجدانها وعقلها وحواسها، ويتفجر فيلمها بحب جارف لشخصياتها وعشق واضح لبلادها: بيروت فى «سكر بنات»، وقرية جبلية فى «هلا لوين»، أو «والآن إلى أين»، حسب ترجمة العنوان الإنجليزى.

النساء يصنعن السلام

لا أدرى إن كانت المخرجة اللبنانية قرأت مسرحية أريستوفانيس عن مقاومة النساء للحرب، وهو مؤسس فن الكوميديا فى المسرح اليونانى القديم فى القرن الخامس قبل الميلاد، فمضمون مسرحيته هو نفس مضمون الفيلم مع اختلاف الشكل والموضوع واختلاف الثقافة: الرجال يصنعون الحرب والنساء يصنعن السلام، وهو تحيز مقبول لأنه حقيقى وصادق وليس من الفراغ.

نادين لبكى فى «هلا لوين» تصرخ صرخة مدوية فى الوقت المناسب تماماً ضد الحروب الدينية والطائفية والعرقية التى تهدد لبنان ومصر والعديد من الدول العربية والأفريقية، وبأسلوب يتواصل مع مختلف مستويات جمهور السينما حتى يستمع إلى صرختها أكبر عدد ممكن من ذلك الجمهور.

القرية معزولة عن العالم الخارجى، ويعيش فيها المسلمون والمسيحيون منذ قرون طويلة فى حب وسلام لا يفرق بينهم اختلاف الأديان أو الطوائف، وتجمعهم الثقافة العربية. وما الغريب فى ذلك وهى ثقافة تتضمن الأديان السماوية الثلاثة التى وجدت كلها فى نفس المنطقة: موسى من مصر وعيسى من فلسطين ومحمد من شبه الجزيرة العربية عليهم جميعاً الصلاة والسلام. وعزلة القرية تبدو متعمدة من نسائها حتى لا تصل إلى رجالها أخبار المعارك بين المسلمين والمسيحيين هنا وهناك، وتعبر فى نفس الوقت عن حقيقة أن لبنان يستخدم كأرض للصراع بين أطراف من خارجه. والفيلم يبدو مثل حكايات ألف ليلة وليلة الخيالية، فهو لا يناقش الحرب، وليس فيه ولا لقطة واحدة لأى معارك من أى نوع، وإنما يؤكد عبث الحرب الدينية وضرورة تحقيق السلام.

إنسان واحد وعالمان

وفى فيلم كيورسماكى «الهافر» رؤية إنسانية بديعة لعالمنا اليوم وكأن تشيكوف يقف وراء الكاميرا، وهو الكاتب الروسى العظيم الذى قال يوماً «إن قدس الأقداس عندى هو الإنسان». ففى الميناء الفرنسى الشهير «الهافر» حيث أقصر مسافة تربط بين فرنسا وبريطانيا بحراً، هناك أكثر من معسكر للمهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا السوداء والعربية. والشخصية الرئيسية ماسح أحذية فقير، ولكنه يملك أخلاق النبلاء، ويسعى طوال الفيلم لإنقاذ صبى أفريقى دخل فى صندوق كبير للشحن مع جده وآخرين، وهرب فور وصوله فأصبح مطلوباً من الشرطة. وكل ما يريده الصبى أن يصل إلى أمه التى هاجرت إلى لندن، وهو الحلم الذى يحققه له ماسح الأحذية بالتعاون مع كل سكان الحى الفقير الذى يسكن فيه، وبتعاون حتى كبير مفتشى الشرطة.

فيلم كبير من فنان كبير عن قضية كبيرة، ومصنوع بأسلوب واقعى حداثى جميل ونقى، ويحتضن كل البشر بروح عالية وتفاؤل عميق بأن الإنسان واحد رغم أن العالم ليس واحداً، وإنما عالمان منفصلان للفقراء وغير الفقراء.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية