أصبحت أخاف من العيد وعلى العيد، لأننى أشعر أننا على وشك أن نفقد الصلة بأعيادنا بعد أن أجبرتنا الأزمات على التخلى عن الطقوس. في العيد الصغير كانت البيوت المصرية حريصة على إشاعة البهجة بعادة خبيز الكعك وكانت ظاهرة صيجان الكعك وزحمة المخابز في تلك الأيام من مظاهر العيد التي لا تنكرها عين، الآن تنازلت معظم البيوت المصرية عن هذا الطقس أمام عادة شراء كل شىء من خارج البيت ورواج خدمة التوصيل للمنازل، فما الداعى لعناء خبز الكعك مادام من الممكن شراؤه، وبدل توزيع جزء منه على الجيران والمعارف أصبح كل بيت يشترى على قدر احتياجه. هذا ما حدث مع العيد الصغير والعادات التي كانت مرتبطة به وهي في النهاية عادة وليست عبادة.
يصف الفيلسوف الفرنسى روجيه كايوا الأعياد بأنها رمز المقدس وتذكرنا بالله، في كتابه «الإنسان والمقدس»يقول: «وتأتي فورة العيد لتقطع سير الحياة النظامية، حيث الكل منهمك في أعماله اليومية، حياة مستقرة ومقيدة بنظام من المحظورات لا وجود فيه سوى لاحتياطات تحفظ نظام العالم، وتنهمك الجماعة في طقوس من الرقص والغناء والأكل والشرب، بشكل انتهاكي في ظاهره، لكنه مستحضر للاحترام والتقديس المفرط، لذا يكون العيد لجوءًا للمقدس».
لايجب أن نقبل التخلى عن طقوس الأعياد لأن الحال سينتهى بنا إلى نسيان العيد نفسه وسبب احتفالنا به وسيطويه النسيان مع الوقت، ما أخشاه أن يأتى يوم يتنازل فيه القادرون عن الذبح في العيد، والاكتفاء بالتضحية بمال الأضحية.فمنذ فترة تروج حملات إعلانية مكثفة من جمعيات أهلية تدعو القادرين لتوكيلهم في شراء الأضحية وذبحها وتوزيعها على مستحقيها، وهذه الدعوة تدغدغ مشاعر أسر كثيرة لا تريد أن تعانى من عناء الذبح وما يتبعه من تنظيف وتقسيم لحم الأضحية على أكياس وتوزيعها على المحتاجين والمعارف والأقارب كهدايا، فأول أيام عيد الأضحى يكون شاقا ومرهقا ولكن ليس دائما السهل هو الأفضل.
إن هذه المشقة هي جزء من معنى التضحية، فمع التضحية بالمال تكون التضحية بالجهد والوقت مكملة للمعنى، «دقة» الفقير على بابك وابتسامتك له وأنت تمد إيدك وتهديه نصيبه من لحم الأضحية مع عبارة «كل سنة وأنت طيب» لايعادلها شىء، هذا التواصل الإنسانى هو جزء أصيل من فلسفة الأديان والعبادات المفروضة علينا، فدائما الوجود وسط جماعة أفضل من الفردية.
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (سورة الحجرات) التعارف والتواصل الإنسانى هو الهدف من خلق الإنسان، بالآخرين نعرف أنفسنا ونكمل نواقصنا ونستمتع برحلة الحياة، وهو ما نجده في المأثور الشعبى «الجنة من غير ناس ماتنداس».
هذا ما يجب أن نحرص عليه وخاصة في الأعياد، أن نكون وسط الناس، نفتح بيوتنا وقلوبنا لهم، ونعود أولادنا على التزاور في العيد والسؤال على الأهل والمعارف والجيران، وان لايقتصر الأمر على مكالمة تليفون أورسالة على الموبايل أو معايدة على الفيس بوك.
وكما تحرص الأجيال الجديدة على فسحة العيد، وارتياد السينما والمطاعم والمتنزهات، عليهم أن ينظموا وقتهم ليسمح لهم بالتواصل الإنسانى بالحرص على الطقوس المشجعة على ذلك، وأهمها في عيد الأضحى الحرص على الذبح في البيت وتعويدهم على المشاركة في التوزيع على الفقراء وتنظيف البيت بعد ذلك وتهيئته لاستقبال الأهل والأصدقاء.. العيد فرحته في لمته فهل نقدر على لملمة حياتنا المبعثرة ولم الشمل، أعتقد أننا قادرون إذا بدأنا، فلنبدأ وكل عام ونحن بخير وبعُودة.