أغلب نخبة ثورة يناير من دارسى العلوم السياسية، والعديد منهم درسوا الإسلام السياسى وتاريخ جماعة الإخوان المسلمين وواقعها، وأغلبهم يؤمن بالديمقراطية التى تعنى عدم إقصاء الإخوان والإسلام السياسى، لأنهم تيار حقيقى، والديمقراطية هى مشاركة الجميع. ولكن الفكر الديمقراطى فى العالم كله منذ مائة سنة لايزال يبحث عن الحل المناسب للتناقض بين الديمقراطية التى لا تقصى أحداً، وبين التيار الذى يقصى الجميع،
خاصة منذ أن فازت الفاشية فى انتخابات إيطاليا فى العشرينيات من القرن الميلادى الماضى، وفازت النازية فى انتخابات ألمانيا فى الثلاثينيات.
لابد من التأكيد مراراً وتكراراً على أن الديمقراطية هى النظام السياسى الأفضل الذى توصلت إليه الإنسانية بعد تجارب كثيرة ومريرة، لكنها ليست الجنة على الأرض، فالجنة فى العالم الآخر فقط. والانتخابات باعتبارها وسيلة من وسائل الديمقراطية لا تقام خارج التاريخ أو خارج الزمان والمكان، وإنما فى زمان محدد ومكان محدد ووفق قانون محدد، وقد وضح سيناريو الثورة المضادة فى مصر،
بحيث يمكِّن الإخوان المسلمين من حكم مصر بعدم وضع الدستور قبل الانتخابات، وبإجراء الانتخابات فى وقت وبناء على قانون يتيح لهم الأغلبية، ثم تكليف الأغلبية بوضع الدستور، وإجراء انتخابات الرئاسة قبل وضع الدستور!
وهناك خرافات تتحول إلى حقائق من كثرة ترديدها، ومنها أن «الإخوان» كانوا مُقصين فى النظام الذى قامت الثورة ضده، بينما كانوا من تيارات المعارضة فى ذلك النظام، أى جزء لا يتجزأ منه. ومن الخرافات أيضاً أنهم يتمتعون بـ«التنظيم» الجيد دون غيرهم، بينما كان الحزب الحاكم (الوطنى الديمقراطى) لا يقل عنهم تنظيماً، وربما يفوقهم. وأضع (الوطنى الديمقراطى) بين قوسين، كما أضع (الحرية والعدالة)، وما هى إلا مسميات دون المضامين الحقيقية للوطنية والديمقراطية والحرية والعدالة.
وكما يتماهى الضحية مع الجلاد ويصبح جلاداً بدوره يبحث عن ضحية (انظر هتلر واليهود.. واليهود الصهاينة والفلسطينيين)، يتماهى دارس «الإخوان» معهم ولو كان ضدهم بالاستغراق فى تفاصيل ربما تجعله ينسى جوهر الموضوع، وهو الصراع بين الدولة المدنية والدولة الدينية، لم يطالب أحد بإلغاء الديمقراطية، لأنها جاءت بالفاشية والنازية،
ولكن واجب الديمقراطى المصرى الآن صعب لأن دوره مزدوج فهو مطالب بعدم إقصاء أحد، ومقاومة تيار الإقصاء فى نفسه، وكشفه وفضح استغلاله للديمقراطية فى الوقت نفسه، وكشفه وفضح استغلاله للديمقراطية، رغم أنه لا يؤمن بها، ولا يكون ذلك من الداخل، وإنما من الخارج.