الأدب والشعر مرآة صادقة لحال المجتمع، يعكس أفكار أفراده وخواطرهم وانفعالاتهم وفى هذا الإطار صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة مكتبة الأسرة مؤخراً كتاب ( بطولات المصريين وأثرها فى الأدب الإسرائيلى أكتوبر 1967- أكتوبر 1973 )، الكتاب يؤرخ لآثار البطولات المصرية فى المشاعر والأفكار الإسرائيلية أثناء حرب الاستنزاف، والسادس من أكتوبر. فيسجل هزات الزلزال الذى أوقعته هذه الحرب وتلك فى أبنية الوعى الإسرائيلى المؤسسة على مفاهيم تضخيم الذات الإسرائيلية وتحقير الشخصية العربية وأسطورة الجيش الذى لا يقهر.
عرض الكتاب لثمانية نماذج من الإنتاج الشعرى فى إسرائيل بعد عام 67، وهى نماذج تطرح رؤى شعرية متباينة فى النظر إلى الواقع الإسرائيلى، وتوضح أن النشوة بالانتصار العسكرى ليس هى الأثر الوحيد الذى أشاعته حرب 67 بين جنبات المجتمع الإسرائيلى، ذلك أن قاع المجتمع الإسرائيلى، رغم قشرة الصلابة والغرور الظاهرية كان يضطرب فى الحقيقة، نتيجة الإحساس بتكاليف الحرب المستمرة مما يزيد من فداحة الأزمة الحياتية العامة التى يعانى منها الفرد فى إسرائيل.
قدم الكتاب قصيدة «إلى متى» للشاعر يعقوف ريمون، التى نشرها بالملحق الأدبى لجريدة هاتسوفيه فى 4/ 7/ 69 والتى يقول فيها: «بين المعجزة وأختها، ظلال تمر، ظلال.. بأنات الثكالى.. مشبعة، تحمل فى حناياها، الجراح.. أشبالنا.. زهرات جيلنا، مع كل صباح.. عبر القناة، يتساقطون.. يذوون، كأعواد زرع أخضر، من جذورهم.. يقلعون. كما قدم قصيدة الضوء الذى فوق البحر.. للشاعر بنحاس بلد مان والمنشورة بالملحق الأدبى لجريدة معاريف فى 10 / 11 / 67 وفيها مرثية لضحايا المدمرة إيلات التى أغرقتها زوارق الصواريخ المصرية عام 67 ويشير المؤلف إلى أن حادث إغراق المدمرة إيلات قد حظى باهتمام أدبى خاص فلقى تسجيلاً أدبياً فى عدد من الأعمال الأدبية الشعرية المنثورة يتراوح بين النواح والتباكى على مصير طاقم السفينة الذى غرق معها والوعيد بالانتقام والثأر لهم.
يقدم الكتاب أيضا عرضا لقصص أدبية تم تصنيفها إلى قصص العزلة واليأس، الخوف من الإنجاب فى الحرب، القصص السياسية، قصص المعارك، وفى نماذج قصص العزلة واليأس يقدم المؤلف قصة الصمت للكاتب شمعون بار، المنشورة بالملحق الأدبى بجريدة معاريف فى 10/ 11 / 67، وتتعرض هذه القصة لأزمة محارب إسرائيلى يعود من الحرب منتصراً وعندما يعود لا يحتفل بانتصاره، بل يلتزم الصمت ويقع فى إحساس من العزلة والكآبة، حيث يرى أن النصر العسكرى يفرض ضريبة على المحاربين وذلك بفقده زميله عمانوئيل فيقول شمعون فى قصته «بقدر ما اتسعت رقعة البلاد وتجاوزت حدود الخرائط، بقدر ما قلت الأماكن التى كان يمكنه الهرب إليها.. بعد ذلك حكوا له أنهم قد وجدوا عمانوئيل.. وجدوه ممتزجاً ومختلطاً بجزئيات إحدى الدبابات، كان من المستحيل معرفة أين تبدأ جثته وأين تنتهى جثة الدبابة.. سائر الأشياء كانت منتمية إلى الماضى، أما الحاضر فقد كان الذباب، ذباب الجبل فى بداية الوجبة الفظيعة».
أما عن حرب أكتوبر 73 فقد عرض المؤلف لـ13 قصيدة توضح الصدمة والفزع والاستجاد بالسماء والتى تدفقت من الجرح الإسرائيلى الغائر والنازف لمدة اتصلت حتى نهاية عام 75 وفى القصيدة الأولى التى تأتى تحت عنوان نهاية ليلة، أى نهاية ليلة الغفران للشاعر إسحق بولاق (1974)، يصور الشاعر فى مطلعها حالة الرعب التى داهمت المجتمع الإسرائيلى وهو فى احتفالات العيد فى المعابد يتلو الصلوات وينهى الجميع صلواته ويتنادى بالمسارعة إلى ميدان القتال.
وينهى المؤلف الكتاب بقصص عن الشحن الإيجابى والتخويف من معاداة السامية والتى تمثل محاولة لشحن القارئ الإسرائيلى بشحنة إيجابية وتؤكد أهمية مشاعر الترابط حول الوطن اليهودى.