x

الخديو إسماعيل.. بين التلفيق والتدقيق (ملف)

الجمعة 03-10-2014 19:46 | كتب: ماهر حسن |
الخديوي إسماعيل الخديوي إسماعيل تصوير : اخبار

يعتبر عهد الخديو إسماعيل المحطة الرئيسية الثانية لتحديث مصر، بعد جده محمد على باشا مما يجعله يستحق عملاً درامياً عملاقاً وغنياً ومدققاً، لا ليقف إلى جانب الرجل وينصفه إنصافاً ليس في موضعه، وإنما ليقول بأمانة وحيادية ما له وما عليه، وإن المرء ليندهش لجنوح بعض كتاب الدراما التاريخية ــ لاسيما التي تعرض في شهر رمضان ــ إلى الاستسهال ربما بهدف اللحاق بقطار مسلسلاته الكثيرة، وربما من قبيل التوفير أو الإثارة وتحقيق الجذب، وهم بذلك ينسون أن ما يترسخ ويستقر في ثقافة الناس هو ما يتلقونه عبر الأعمال الدرامية، حتى إن البعض يبنون ويتبنون آراءهم السياسية أو التاريخية أو حتى في القضايا العامة على ما يتلقونه سمعياً وبصرياً من التليفزيون في عصر ساد فيه الكسل المعرفى، وغاب عنه تحرى الحقيقة من مصادرها الأصلية والموثوقة، وهذا ما كان واضحاً في مسلسل «سراى عابدين» الذي عرض في رمضان الفائت، ولأن فريق العمل بصدد إنجاز جزء ثان من المسلسل نفسه فإن التجنى على الرجل سيظل مستمراً وكذلك الوقوع في الأخطاء الفادحة، مما استدعى تقديم قراءة تاريخية في سيرة الخديو إسماعيل وعهده لنترك المقارنة للقارئ بين السيرة الدقيقة التي تحرينا فيها الدقة قدر استطاعتنا وما ورد في الدراما التليفزيونية.

الخديو إسماعيل.. إنجازات قائمة حتى الآن

حفل افتتاح قناة السويس

في سياق تقديم الدراما التاريخية شاهدنا في شهر رمضان الفائت مسلسل (سرايا عابدين) عن الخديو إسماعيل، وآخر عن عبدالناصر وصديقه عبدالحكيم عامر، وأقول إنه يلفت الانتباه تلك الهرولة في ماراثون رمضان، فيقودنا الاستعجال للوقوع في أخطاء مرعبة يصعب علينا تصحيحها في أذهان متلقيها، بعد استقرارها كحقائق، وهى أخطاء أقرب للجرائم، وكأن من عكفوا على كتابتها أبوا على نفسهم وبإرادتهم أن يبذلوا الجهد اللائق بالسير التاريخية، بالتدقيق واللجوء للمراجع ذات العلاقة بالموضوع، ويبدو أن أصحاب مسلسل سرايا عابدين أرادوا أن يحققوا الإثارة والإبهار، بمحاكاة «حريم السلطان» أو إعادة إنتاج أخطاء تاريخية وردت في فيلم ألمظ وعبده الحامولى، باعتبار إسماعيل لم يكن سوى زير نساء، نعم جميعنا يعرف أن الدراما إبداع وخلق واختلاق مساحات تثرى العمل الدرامى لكنها تمثل الهامش أو الرابط ولا تمثل المتن ولا تمس الثوابت التاريخية التي لا يختلف عليها مؤرخان، ومن حق كاتب الدراما أن يحقق مساحات للخلق والإبداع، تصل أحياناً لاختلاق ورسم شخصيات، وأحداث ربما لم تكن موجودة تاريخياً، لكن القائمين على إنتاج هذه الأعمال يحرصون على عدم المساس بالثوابت التاريخية المتفق عليها بأغلبية أو إجماع المؤرخين، ويقفز للذاكرة مسلسل بوابة الحلوانى للسيناريست محفوظ عبدالرحمن، الذي تعرض لحقبة الخديو إسماعيل، حيث لم يكن دقيقاً فقط، وإنما أورد شخصيات تاريخية مهمة، لازمت إسماعيل، على رأسها أخوه في الرضاعة إسماعيل صديق المفتش، وكان وزيراً للمالية، ومفتشاً عاماً على الأقاليم.

وحيث إن أسرة مسلسل «سراى عابدين» بصدد إنجاز جزء ثانٍ فقد لزم الأمر تقديم قراءة موثقة لإسماعيل وعصره.

وأقول: لسنا في حاجة لمزيد من تشويه وتحريف تاريخنا بإرادتنا أو دون أن ندرى، وقد بدا وكأن هذا التاريخ، قد حصل حُراسه على إجازة طويلة.

ونبدأ سيرة الخديو إسماعيل من البداية، وعلى من أعدوا المسلسل الوقوف على الحقيقة، التي قفزوا من فوقها أو تجاوزوها عمداً، لتحقيق إثارة درامية رغم أن القصة الحقيقية أكثر إثارة من العمل الدرامى ذاته، ومن تفاصيل هذه الإثارة في عصر إسماعيل، تفصيلة علاقته السياسية بأخيه في الرضاعة إسماعيل المفتش، التي انتهت بمقتل المفتش، أمام سراى الجزيرة (قصر فندق ماريوت حاليا)، حين استحكمت الأزمة الخاصة بالقروض المصرية من إنجلترا وفرنسا، وما ذكره المتاح من روايات المؤرخين، أن الخديو هو الذي أمر بقتل أخيه في الرضاعة، ككبش فداء للخروج من أزمة القروض.

وتقول سيرة الخديو إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على، إنه ثانى أولاد إبراهيم باشا، من أم غير أم أخويه، الأميرين، أحمد رفعت ومصطفى فاضل، وولد إسماعيل في 31 ديسمبر 1830 في قصر المسافر خانة بالقاهرة في حى الجمالية، واهتم أبوه بتربيته، فتعلم مبادئ العلوم واللغات العربية والتركية والفارسية، بالإضافة إلى القليل من الرياضيات والطبيعة، وأرسله أبوه وهو في الرابعة عشرة إلى فيينا، عاصمة النمسا، وكان قد اعتراه مرض في عينيه، وتلقى العلاج في فيينا لسنتين، ثم أرسله جده إلى باريس في بعثة تعليمية، وعاد إلى مصر، وكان قد تقلد أبوه الحكم، وبعد وفاة والده إبراهيم باشا، تولى الحكم عباس باشا الأول، ودب خلاف بينه وإسماعيل، فسافر إسماعيل إلى إسطنبول، وأقام بها ولم يعد سوى بعد وفاة عباس، وولاية سعيد باشا، التي كانت علاقته به حسنة حتى أنه عينه نائباً عنه كلما سافر خارج مصر. المزيد

قصر عابدين شاهد عيان على أهم الأحداث السياسية

واجهة سراى عابدين

على مدى ثمانين عاماً كان قصر عابدين مقراً للحكم في مصر، تحديداً منذ 1872، أي بعد 9 سنوات من تولى إسماعيل الحكم، وصُمم القصر المهندس الفرنسى «دى كوريل روسو»، وبدأ البناء فيه 1863، ويعد القصر تحفة معمارية عالمية، ويعد البداية الأولى لظهور القاهرة الحديثة؛ ففى نفس الوقت، الذي كان يجرى فيه بناء ‏القصر، قرر إسماعيل بتخطيط القاهرة على النمط الأوروبى.

كان إسماعيل أمر ببناء قصر عابدين فور توليه الحكم 1863، ويرجع اسم القصر إلى (عابدين بك)، أحد القادة العسكريين في عهد محمد على ‏باشا، وكان يمتلك قصراً صغيراً في مكان القصر الحالي؛ فاشتراه إسماعيل من أرملته ‏وهدمه وضم إليه أراضى واسعة ثم شرع في تشييده.

ويظل قصر عابدين أشهر القصور المصرية، فضلاً عن كونه شاهداً على كثير من الأحداث، منذ العهد الملكى حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، ومن هذه الأحداث مظاهرة 9 سبتمبر1881، بقيادة الزعيم أحمد عرابى، الذي قدم فيها مطالب الأمة والجيش إلى الخديو توفيق، وطلب كبير الياوران أن يترجل عرابى عن فرسه فرفض، وقال كلمته المأثورة: (لقد خلقنا الله أحراراً ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً).

وشهد الميدان المواجه للقصر، بدايات ثورة 1919، عندما ملأت الجماهير ميدان عابدين، مُطالبة الملك فؤاد، بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، وعودتهم من المنفى.

وكان هناك حادث 4 فبراير 1942، حين أصر السفير البريطانى على تولى مصطفى النحاس رئاسة الوزراء، لدرجة أنه وجه إنذاراً للملك فاروق بعزله عن الحكم إن لم يعينه، قبل السادسة مساء، وتقدمت الدبابات البريطانية، وقابل السفير البريطانى الملك فاروق، وخيره بين تولى النحاس الوزارة أو التنازل عن العرش، فما كان من فاروق إلا أن عيّن النحاس رئيساً للوزراء.

ومن الأحداث المهمة، أزمة مارس التي نشبت بين محمد نجيب وجمال عبدالناصر 1954 بعد قيام الثورة، وشهد ذلك العام تقديم محمد نجيب استقالته في 25 فبراير، ولما تراجع عنها عاد إلى القصر، بعدها خفتت الأضواء عن القصر، فلم يرغب الزعيم جمال عبدالناصر، وهو يتحدث عن العدالة الاجتماعية والمساواة ومبادئ الاشتراكية، أن يسكن القصر، وفضل السكن في بيته بمنطقة منشية البكرى، ففتحت الدولة القصر أمام الشعب، واحتلت الهيئة العامة للإصلاح الزراعى جزءاً منه، ووزارة الإرشاد القومى «الإعلام» جزءاً آخر، وظل الأمر هكذا طوال عهد عبدالناصر، وفى عهد الرئيس السادات، استعمل جزءاً من القصر لمباشرة مهامه، وفى عهد مبارك، تحولت جميع القصور الملكية قصوراً للرئاسة. المزيد

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية