x

مروى مزيد كش ملك مروى مزيد الأحد 08-04-2012 21:00


لمن يعرف لعبة الشطرنج ويجيدها ــ وهى لعبة تدريب على التفكير «الاستراتيجى» فى الأساس، والمعتمد بدوره على تحقيق أهداف مستقبلية وليس بالضرورة على «تكتيكات» دفاعية تحت ضغط الخصم المقابل ــ يُدرك أن عبارة «كش ملك» هى الجملة التى تعكس تقدُم من يقولها، لدفع خصمه دفعا نحو «التحرك» دفاعا عن«الملك» والذى يمثل فى هذه الحالة قدرته على تكملة دور الشطرنج أو خسارة الدور. أحد أهداف مثل هذا الدفع نحو التحرك خلق حالة «اضطراب» لدى الخصم، بهدف تشتيت تركيزه وإبعاده عن هدفه الأول وهو الفوز. ففى تعجله قد يقوم اللاعب «المُحاصَر» بحركة ما، وفى اللحظة ذاتها يبدو مترددا فيها، فيحاول العزوف عنها، ممسكاً بقطعة الشطرنج لآخر لحظة قبل أن يُحركها حركة قد تكون فى النهاية حركة طائشة، ولكنها قد تكون فى تلك اللحظة كل ما يستطيع هذا اللاعب فعله.

فى مثل هذا الوضع، يقف الخصم يراقب ويحلل سلوك من يقابله، قبل أن ينقض ثانية، وربما ثالثة، دافعا الآخر للتحرُّك تلو الآخر إلى نهاية الدور «بموت الملك».

لماذا يكسب لاعب ويخسر آخر؟ ربما ببساطة لأن أحدهما فكره استراتيجى والآخر فكره يتحول تحت الضغط إلى فكر أقصاه «تكتيكى» قصير المدى.

هذا ما وصفت به حالة جماعة الإخوان المسلمين فى مقالى الأسبوع الماضى«الشاطر.. يقش» الذى قلت فيه إنهم وجدوا أنفسهم مضطرين «لرد الفعل» تحت ظروف «خوف وقلق» وليس بالضرورة إحساساً بالغرور والاطمئنان كما يظن الكثيرون. وذلك بطرح المرشح «الخاص بهم» فى ظِل منافسة مع أبوالفتوح الذى باتوا يصفونه «بالمستقل» بشكل زائد ولا يتبع الفكر الجماعى، وفى ظل أيضا ما عكس فى تلك الأثناء تقدم أبوإسماعيل فى صعود مطرد للتيار السلفى الذى ينافسهم محاولة احتكارهم تيار الإسلام السياسى «المعتدل». وبالتالى كان من «المأمول» أن يقش خيرت الشاطر السوق الانتخابية!

لكن «المأمول» هو ما لم يحدث كليا، حتى الآن على الأقل. ومن ثم هذه «الحركة» المضطربة فى الأساس قد تولد حركات مضطربة تتلوها، فمثلا سمعنا أمس خبر طرح الدكتور محمد مرسى كمرشح عن حزب «الحرية والعدالة»، بينما وُصف خيرت الشاطر، بأنه «مرشح بتأييد نواب من البرلمان».

ماذا؟! نعم إنها محاولة متأخرة لاستعادة فرصة التمييز ذى الضرورة الحتمية بين «الجماعة» و«الحزب السياسى» كى يحدث التحول الجوهرى الذى دونه لا استمرارية «للجماعة» فى المجال السياسى أصلا. فكأن الحزب يقول ـ وهذا طبعا نظرا للظرف القانونى لخيرت الشاطر الذى قد يمنع ترشحه ـ فنُرجِع «الحركة» السابقة ونتحدث باللغة السياسية «الصحيحة» للحزب كالجهة المُرشِّحة لممثليها، وليس «الجماعة» التى من المفترض ألا يكون لها موقع من الإعراب السياسى.

ولكن كل هذا يعكس «اضطرابا» للاعب السياسى الإخوانى، وليس «تكويشه»، المفترض فيه ثقته من الفوز. هذا الشَرَك الذى يقع فيه اللاعبين السياسيين فى تيارى الإسلام السياسى الإخوانى والسلفى - واحداً تلو الآخر - يعكس بالضرورة تفوق مَن هم أكثر الأطراف قدرة على «الممارسة السياسية» المُعرّفة بالفكر الاستراتيجى الاستباقى لبلوغ أهداف سياسية: وهو المجلس العسكرى الذى ومن لحظة «تخلى» الرئيس السابق عن السلطة «وتسليمها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة» قد عرّف الخريطة السياسية بنفسه ومارس سياسة بشكل يحميه كطرف سياسى، وليس كما ظل يردد الكثيرون أن «خبرته فى الممارسة السياسية» قليلة أو معدومة!

فالواقع هو أن الأدبيات حول العلاقات المدنية - العسكرية من إندونيسيا لباكستان، ومن تركيا للسلفادور والتى تشير إلى ضرورة إبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة، تعتمد أساسا على فكرة أن ممارسة المؤسسة العسكرية للسياسة «تنجح» فى خلق شقوق وصدوع سياسية عميقة لأى حكومات أو أحزاب سياسية مدنية، بهدف إحكام السلطة العسكرية على الشأن السياسى.

هذا بدوره يجعل المؤسسة العسكرية تهم بطرح نفسها «كملاذ» يتم الرجوع إليه نتيجة خلق حالة عدم الثقة فى «العملية السياسية» برمتها بين أطراف، وأحزاب، ونخب، وتيارات قد «يُرجى لها» حقا أن تبدو عاجزة، متذبذبة، مضطربة، فكرها تكتيكى قاصر وليس استراتيجياً بعيد المدى. وبذلك تظل السلطة الحقيقية فى يد المؤسسة العسكرية فى أفضل التقديرات «كمحكم أو وسيط» بين الأطراف المُراد لها أن تبدو متصارعة بشكل عشوائى يستدعى التدخل الدائم، أو«كحام» لأديولوجيا معينة دونها لا تستوى أمور الدولة، أو فى أسوأ التقديرات «كحاكم» فعلى فى صورة انقلاب عسكرى.

فى هذا السياق والموازى له أيضا عنصر ترشح عمر سليمان «كمستقل»، يبدو أن «كش ملك!» تُقال الآن للاعب السياسى الأكثر تقدما والمُمثل فى «حزب الحرية والعدالة»، وبخطوة «مضطربة» أو اثنتين قد يخسر اللاعب هذا الدور. فهل هذا ما يحدث فعلا؟ ولمصلحة من تحديداً ألا تستطيع الخريطة السياسية المصرية أن أحزاب سياسية مدنية تُنظم العملية السياسية وتُعمِّق الثقة الشعبية فيها؟

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية