وقال المرشح الرئاسى المحتمل «يجب أن يتوقف هذا التهريج لأنه ليست هناك ثورة استمرت عاماً كاملاً»، هذا الكلام الجاهل نشرته صحيفة يومية على لسان مرشح رئاسى وكان مسؤولاً كبيراً فى النظام المخلوع لفترة تتعدى السنوات العشر، والمؤسف فى الأمر أن المرشح لا يعرف أى شىء عن الثورات وإلا ما كان قال ما قاله، وبالطبع من المفروض على أى مرشح أن يكون ملماً بالموضوعات التى سوف يتحدث عنها، وأن يكون لديه فريق عمل يجهز له خطوطاً عامة حول الموضوعات التى يمكن أن تثار فى أى لقاء جماهيرى، ولكن يبدو أن مرشحينا الرئاسيين قرروا أن تكون الفهلوة هى الأسلوب المعتمد فى التعامل مع الجماهير.
لقد كان هذا المرشح الرئاسى مسؤولاً كبيراً ومصر تواجه ثورة ضد من عينه فى منصبه وضد النظام الذى كان أحد أعمدته، لكنه لم يكلف نفسه عناء البحث عن ماهية الثورات، فلم يعرف كم استمرت الثورة الروسية التى أطاحت بالقياصرة، ولا كيف استمرت الثورة الفرنسية مائة عام من المد والجزر حتى حققت مبادئها فى الحرية والإخاء والمساواة، ولا كم استمرت الثورة الإيرانية حتى تمكن الملالى من السيطرة على السلطة منفردين.
وقبل هذا التصريح الجاهل بعدة أيام استضاف أحد برامج الـ«توك شو» مرشحاً رئاسياً آخر، وسأله أحد المشاهدين عبر «فيس بوك» عن كيف سيصبح رئيساً للجمهورية وهو لم يتول أى منصب تنفيذى أو حكومى من قبل؟ فأجاب بأن الرئيس الأمريكى باراك أوباما لم يتول أى منصب تنفيذى قبل أن يصبح رئيساً لأمريكا، أما كلينتون فلم يكن سوى مزارع للفول فى جورجيا قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، وهذا الرد ينم عن جهل مطبق، وكان الأفضل له أن يتهرب من الإجابة من أن يجيب بما يؤكد جهله بما يحدث فى العالم.
فأولاً: كان على المرشح المحتمل أن يقول إن الدول الديمقراطية هى بالأساس دول مؤسسات، وبالتالى فإن دور الفرد فيها قد يكون هامشياً، وأن الرئيس هناك يأتى بفريق كامل معظمه من الذين عملوا من قبل فى الإدارات السابقة، وأن الرئيس هناك ليس فرداً وإنما هو معبر عن تيار سياسى، وكان على المرشح لكى لا يشعر بالحرج ولكى لا يشعر الناس بجهله أن يقول إنه يريد أن ينقل الفكرة المؤسسية إلى مصر.
وثانياً: فإن أوباما تدرج فى العمل السياسى، من عضو مجلس شيوخ ولاية شيكاغو إلى أول عضو أسود فى مجلس الشيوخ الأمريكى، وكان عن ولاية شيكاغو أيضا، وكان عضواً نشطاً فى المجلس وبرز فى مؤتمرات الحزب الديمقراطى كخطيب مفوه استطاع أن يجمع حوله قطاعات من شباب الحزب.
أما كلينتون فلم يكن مزارعاً للفول وإنما كان حاكما لولاية أركنسو، وهو الذى رسخ فكرة أن يعقد حكام الولايات من الديمقراطيين اجتماعاً دورياً لتبادل الآراء والخبرات، وهذه الفكرة هى التى أعادت إحياء الحزب الديمقراطى بعد موات طويل فى ولايتى ريجان وولاية لجورج بوش الأب.
أما الرئيس الذى كان مزارعاً للفول السودانى فهو جيمى كارتر الذى كان صاحب مزارع فول، لكنه كان أيضا حاكما لولاية جورجيا، المشهورة بزراعة الفول، وهو نجح فى أن يكون رئيسا لأنه كان حاكم ولاية ناجحاً، ولأن الجنوب الذى كان عادة يصوت لأى مرشح جمهورى انقسم وصوت له قطاع من السكان بدلاً من التصويت للمرشح الجمهورى فورد الذى كان رئيساً بعد أن كان نائباً للرئيس نيكسون. وهذه عينة تنطبق على معظم المرشحين المحتملين الجديين لمنصب رئيس الجمهورية، وهى تكشف عن كوارث آتية لمصر إن تعاملوا مع الأمر بهذه الخفة والسطحية والجهل فى حال تولى أى منهم المنصب الرفيع.
وبالطبع ليس مطلوباً من المرشح المحتمل أو «غير المحتمل»، أن يكون ملماً بكل شىء، ولكن من يرد أن يتصدى لعمل عام فى عصر المعلومات، وفى هذه المرحلة التى لابد أن نتعامل فيها بجدية مع أى شىء - فلابد له من أدوات للمعرفة والتعمق، وأن يكون له مساعدون على مستوى المرحلة، بدلاً من الخفة والفهلوة وهما الخصلتان اللتان جرتا مصر إلى الوراء.