منَّ الله سبحانه وتعالى على المسلمين بأن جعل لهم مفتاحاً للسعادة يلجأون إليه فى أحزانهم وأزماتهم وكُرباتهم، فتنفرج الأزمات وتنقشع الكُربات وتتحول الأحزان إلى سلام وطمأنينة لا يعرفها إلا من ذاقها، وهذا المفتاح السحرى الذى نتكلم عنه هو الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وعند بناء إنسان الحضارة يجب تعليمه هذا المفتاح، فيحتفظ به ويستخدمه عند ة، وما أحوجنا إلى الصلاة على النبى فى هذا الزمن، فهى مفتاح الخيرات، ومرقاة الدرجات، وسبب السعادة فى الدنيا والآخرة، فبها تطهر النفس، ويسلم القلب، وينجو العبد، ويغفر له ذنوبه.
وينبغى ونحن فى سلوكنا هذا السبب العظيم أن ندرك أننا نتخلق فى هذا بأمر إلهى، بدأ الله تعالى به بنفسه وبملئه الأعلى، حيث قال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب: 56).
وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بفضل الصلاة عليه فى كثير من الأحاديث، منها ما رواه أبوهريرة، رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من صلى علىَّ واحدة صلى الله عليه عشرا) [رواه مسلم].
ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليس فى حاجة إلى أن نصلى عليه، بل نحن فى حاجة إلى أن نصلى عليه صلى الله عليه وسلم، حتى يكفينا الله همومنا ويجمع علينا خيرى الدنيا والآخرة، ويغفر لنا ذنوبنا. وقد يسأل السائل: كم نصلى على النبى، صلى الله عليه وسلم، فى يومنا وليلتنا، والواقع أنه لا حد للصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم؟ فينبغى على المسلم أن يجتهد فى الصلاة عليه قدر المستطاع، وإن استطاع أن يجعل ذكره كله فى الصلاة على النبى فهو خير له، فهذا الصحابى الجليل أُبَىّ بن كعب رضى الله عنه يقول للنبى صلى الله عليه وسلم: (قلت: يا رسول الله، إنى أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتى؟ فقال: ما شئت. قال: قلت الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قال: قلت فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: أجعل لك صلاتى كلها؟ قال: إذًا تُكْفَى هَمَّك ويُغْفَر لك ذنبُك) [رواه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح].
ولذا فإنفاق كل مجلس الذكر فى الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم خير عظيم، حث عليه النبى صلى الله عليه وسلم، ويؤكد هذا المعنى ما رواه أُبَىّ بن كعب كذلك قال: (قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتى كلها عليك؟ قال: إذاً يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك) [رواه أحمد].
وتجوز الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بأى صيغة، المهم أن تشتمل على لفظ الصلاة على النبى، أو صلِّ اللهم على النبى، حتى وإن كانت هذه الصيغة لم تَرِد، وإن كانت الصلاة الإبراهيمية أو الصيغة الإبراهيمية فى الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم هى أفضلها، فقد اهتم الصحابة رضوان الله عليهم بأن يعرفوا صيغة الصلاة عليه فقالوا: (يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلى عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) [رواه البخارى].
ولا ينبغى للمسلم أن يُعرض عن الصلاة على النبى ويتركها فإن فى تركها الشر الكثير؛ حيث إن تركها علامة على البخل والشح، قال النبى صلى الله عليه وسلم: (كفى به شُحاً أن أُذكر عنده ثم لا يصلى على) [ابن أبى شيبة فى مصنفه]، وقال صلى الله عليه وسلم: (البخيل من ذُكرت عنده ولم يُصلِّ على) [أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه].
وقد اشتد الوعيد على من ترك الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم إذا ذكر اسمه، فعن كعب بن عجرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (احضروا المنبر، فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال آمين، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال آمين، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال آمين، فلما نزل قلنا: يارسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئًا ما كنا نسمعه، قال: إن جبريل عرض لى، فقال : بعدا لمن أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين. فلما رقيت الثانية، قال: بعدًا لمن ذُكرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قلت: آمين. فلما رقيت الثالثة قال: بعدًا لمن أدرك أبواه الكبر عنده أو أحدهما فلم يُدخلاه الجنة، قلت آمين) [ابن خزيمة فى سننه، وابن حبان فى صحيحه، والحاكم فى المستدرك]، فلنتأمل ذلك الحديث ونلاحظ شدة الوعيد، إذ يدعو أمين السماء جبريل عليه السلام، ويؤمِّن على الدعاء أمين الأرض سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون الدعاء بالإبعاد عن رحمة الله والخسران.
نخلص من هذا كله إلى أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح السعادة، ومفتاح كل خير، والمسلم الذى يبتغى السعادة عليه أن يلهج بالصلاة عليه فى أغلب أوقاته، فإنه نور وهداية ورحمة ورعاية، رزقنا الله والمسلمين كثرة الصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم حتى نكون فى كنفه فى الدنيا والآخرة.