x

نصري عصمت لماذا قررت أمريكا تأجيل اغتيال السيسي! نصري عصمت الإثنين 29-09-2014 19:12


في عام 2011 وبعد مرور عشر سنوات على هجمات 11 سبتمبر، كنت محظوظا بالتواجد في نيويورك لظروف الدراسة، وكانت فرصة رائعة لمتابعة كيف راجعت وسائل الإعلام الأمريكية أحداث سبتمبر وتأثيرها على أمريكا والعالم أجمع.

الولايات المتحدة كانت خارجة لتوها من أزمة اقتصادية مدمرة رفعت معدلات البطالة وأفقدت الكثيرون منازلهم وأعمالهم من بينهم أصدقاء وجيران عرفتهم شخصيا.

ومن بين عشرات المقالات والتحليلات عن 11 سبتمبر لا أنس ابدا افتتاحية طويلة نشرتها مجلة "نيويورك" وقالت فيها : إن بعد مرور 10 سنوات على "الحرب على الإرهاب" التي شنها الرئيس بوش وآلته الإعلامية لم يعد المواطن الأمريكي يخش خطر الموت أو الإصابة في تفجير إرهابي بقدر ما يخاف من فقدان بيته أو وظيفته، بدليل أن نسبة الأمريكيين الذين ماتوا في هجمات إرهابية أقل من واحد في المليون أما من فقدوا وظائفهم أو منازلهم فهم واحد من كل خمسة أشخاص.

افتتاحية المجلة كانت من أصدق ما قرأت فيما يشبه اعتراف بمسئولية الإعلام في تضليل المجتمع وشغل الناس بحروب وانتصارات وهمية في العراق دون الانتباه للكارثة الاقتصادية القادمة في وجه الجميع.

ففي الفترة التي سبقت احتلال العراق تبنت شبكات التلفزيون الأمريكية وجهة نظر الحكومة ببث أكاذيب حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل دون وجود أدلة وسادت أساليب التخويف في وسائل الإعلام من خطر العرب والمسلمين.

وتعرض بعض الصحفيين المعتدلين للفصل ووقف برامجهم التلفزيونية بحجة "عدم وطنيتهم وانخفاض شعبيتهم" بينما سيطر المتطرفون المؤيدون للحرب على الشاشات لدرجة أن ما يقرب من 70% من المشاهدين كانوا يعتقدون بالخطأ أن صدام حسين ساهم في هجمات 11 سبتمبر وذلك وفقا لدراسة من جامعة ميريلاند.

هذه الافتتاحية التي حملت الكثير من الصدق مع الذات والاعتراف بالخطأ طفت على سطح ذاكرتي طوال الشهر الحالي مع متابعتي لما تقدمه وسائل الإعلام المصرية من تغطية لرحلة الرئيس السيسي إلى أمريكا وخطابه في الأمم المتحدة.

الإعلام المصري قدم جرعة هائلة من المعلومات المضللة والمغلوطة ومنح المساحة والوقت لترويج شائعات شغلت الناس عن قضايا مصيرية.

فمن قبل الزيارة روج البعض لفكرة أن الولايات المتحدة تخطط لاغتيال السيسي لدرجة دفعت الكثيرين لمطالبته بعدم السفر وكأن الأمريكيين ينتظرونه للقدوم إليهم لضربه "على خوانة" على طريقة فتوات الحارة.

وقبل الزيارة تم تضخيم استعدادات الاخوان ومعارضي السيسي للتظاهر في نيويورك باعتبار أن العالم سيتفرغ لمشاهدتهم رغم أن من عاش في هذه المدينة يعرف جيدا أن فيها مظاهرات يومية وروتينية للتضامن أو رفض أي شيء وكل شيء، وفجأة صارت قضية برامج التوك شو هي كيف يتم الرد على الاخوان وحشد المؤيدين، وماذا سيحدث إذا انسحب القطريون او الأتراك خلال إلقاء السيسي لكلمته لإحراجه وكأن سلوك مسئولي الدولتين هو ما سيحدد فشل أو نجاح الزيارة وليس مضمون الخطاب وتأثيره وصدقه.

وبعد إلقاء السيسي لخطابه الدبلوماسي جاء التهليل مبالغا فيه وقرأنا وسمعنا تصريحات من نوعية "أوباما شعره شاب" و"السيسي صفع أوباما"، وهي تعبيرات تصلح للتعبير عن مشاجرة شوارع وليس للتعبير عن علاقة معقدة بين دولتين.

وفي المقابل لم يفت الاخوان وأنصارهم محاولة إظهار أي موقف يتعرض له السيسي او الوفد المرافق له باعتباره "إحراجا له" و"فضيحة" و"مهزلة".

بالطبع تغطية زيارة مثلها ليس عيبا ولكن الكارثة هو حجم المعلومات المغلوطة والتهويل والتطبيل وعدم شرح المعلومات المجردة للناس والاستسهال ونقل الانطباعات الشخصية للصحفيين باعتبارها حقائق.

كنت أتمنى لو شغلت الفضائيات والصحف الناس بمعلومات وحقائق وعمل على الأرض يتناسب مع الوفد الإعلامي الضخم المصاحب للسيسي للإجابة على أسئلة من نوعية : ما هي المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وموقع مصر منها؟ ما هي قواعد التظاهر في بلد مثل الولايات المتحدة مثلا وما حجم التبادل التجاري والعسكري بين البلدين ولماذا تقبل مصر المعونة من امريكا؟ ولماذا العلاقة الآن ملتبسة؟ وكيف يتم اتخاذ القرار في أمريكا؟ وما هي الانتماءات السياسية للمصريين في الولايات المتحدة؟ ..والصورة الذهنية لـ25 يناير و30 يونيو لدى المواطن الامريكي.

المثير أن المواطن المصري العادي صار مشوشا ولا يعرف من يصدق ففي الوقت الذي يشن يتم اتهام الولايات المتحدة كل ليلة على الشاشات المصرية بالتآمر والعدوان على مصر وبـ"حروب الجيل الرابع" و"الأسطول الأمريكي الذي استعد لضرب مصر"، التقى السيسي بأوباما وخرج الرئيس المصري يقول إن العلاقات بين البلدين مهمة للطرفين وهو أمر منطقي للغاية بالنظر لتاريخ العلاقة بينهما وحاجة كل منهما للأخر، وبات البعض مطالبا بتفسير للمشاهدين "لماذا قررت أمريكا تأجيل اغتيال السيسي"!

وفي الوقت الذي تصر فيه فضائيات مملوكة لرجال إعلام محسوبين على نظام مبارك بتشويه ثورة يناير قرر السيسي بدأ خطابه في الأمم المتحدة مستشهدا بها.

و بين مطرقة الإعلام المصري المتفرغ للتأييد والإعلام الاخواني بقيادة "الجزيرة" المتفرغ للتنديد والهجوم لا يجد المواطن المصري من يعبر عن قضاياه الأهم من كل ذلك.

ففي سبتمبر بدأ عام دراسي جديد من نظام تعليمي يعترف كل أطرافه (ولي الأمر والمعلم وسوق العمل) أن لا جدوى منه لتحديد مستقبل الطالب ورغم ذلك يتم إنفاق المليارات عليه في دائرة جهنمية مدمرة، وفي سبتمبر ينتهي واحد من أكثر فصول الصيف ظلاما في مصر مع تأكيدات المسئولين أن انقطاع الكهرباء سيزيد الأعوام المقبلة دون الوصول إلى حل، وفي الشهر ذاته تواصل إثيوبيا بناء سد النهضة دون أي دليل واضح حتى الآن على عدم مساسه بأمن مصر المائي.

الإعلام الهستيري يشغل الناس بجرعات مكثفة من القضايا الهامشية وبالونات الهواء ونظريات المؤامرة ويصرفهم عن التفكير في قضاياهم المصيرية.

في الولايات المتحدة احتاج الإعلام لكارثة اقتصادية ليعود إلى رشده أما في مصر فالكوارث تحدث يوميا ولا تبدو في الأفق بادرة أمل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية