بعيدا عن أى تهويل أو مبالغة ومحاولة تطويع ما جرى فى استاد بورسعيد لمصلحة أحد أو فريق.. وعن أى حساسيات أو حسابات خاصة وعامة.. يبقى ذلك الذى جرى هناك فى الأول من فبراير الماضى نقطة فاصلة فى تاريخ ومسار كرة القدم فى مصر.. حدث فاجأ الجميع وصدمهم وأربكهم وأزعجهم وأجبرهم على التوقف لمعاودة النظر فى كل ما كان ولماذا كان وأصبح حديث الدنيا كلها باعتباره الجريمة الكروية الأكبر والأكثر دموية فى العالم وفى التاريخ أيضا.. وكان من المفترض.. حين نفيق من دهشتنا وذهولنا ونستعيد عقولنا واتزاننا.. أن نبدأ النظر إلى كل نظامنا الكروى واثقين ومقتنعين كلنا بأنه نظام فقد صلاحيته تماما وشرعيته وكل مبررات بقائه ولابد من نظام جديد لكرة القدم فى بلادنا.. وقد تخيلت أننا يمكن أن نختلف حول العقوبة المفترض توقيعها على النادى المصرى وجماهيره أو استاد بورسعيد أو مدى مسؤولية اتحاد الكرة والإعلام عما جرى يومها..
لكننا أبدا لن نختلف حول ضرورة البناء من جديد وعلى أسس مختلفة أكثر قوة ووضوحا وعدلا ونزاهة.. إلا أنه يكفى جدا تأمل كيف بدأ الجميع يستعدون للجمعية العمومية الطارئة لأندية الكرة فى بلادنا يوم الثامن من أبريل المقبل لندرك أنه لا شىء تغير وأن القادم لن يختلف فى أى شىء عن كل الذى عشناه فى الماضى وانتهى بنا كلنا إلى كارثة استاد بورسعيد.. ففى تلك الجمعية الطارئة.. سيجرى وضع نظام أساسى لاتحاد الكرة.. أى دستور جديد سيحكم مؤسسة الكرة فى بلادنا ونشاطاتها ومسابقاتها وملامحها..
وبالتالى كان من الطبيعى أن يدور كل الكلام والنقاشات حول صياغة هذا الدستور الكروى الجديد الذى يضمن العدل والأمن والسلامة للجميع فلا يتكرر مرة أخرى ما جرى فى بورسعيد.. دستور يخلق اتحاداً قويا وقادرا على إدارة شؤون اللعبة دون أن تكسره أو تهزمه المطامع والمصالح والمكاسب الشخصية لأعضائه.. دستور يمنع الكرة المصرية أن تتحول إلى إرث أو غنيمة أو استعراض إعلامى أو سياسى أو برلمانى.. لكن الذى عرفته وشاهدته لم يكن له أى علاقة بما أتخيله وأتمناه.. فلم أجد أحدا مهموما بالمستقبل وكرة القدم..
إنما وجدت من يريدون صياغة مواد فى الدستور تمنع أشخاصا بعينهم من دخول اتحاد الكرة، وتكتشف فى النهاية أنه لا منهج أو فكر لهم إلا منع أى عضو سابق باتحاد الكرة من ترشيح نفسه فى الانتخابات المقبلة.. ووجدت من يريدون صياغة مواد جديدة تحافظ على بقاء نفس الوجوه والأفكار القديمة وتكتشف أنهم يريدون فقط تمهيد الطريق لهانى أبوريدة رئيساً.. من يعارضون فكرة الفصل بين إدارة اتحاد الكرة وممارسة الإعلام وتكتشف أنها ليست فلسفة جديدة وحكيمة وإنما هى محاولة لإبعاد شوبير وحازم إمام..
ومن يطالبون بضرورة الفيش والتشبيه الكروى لأى مرشح، وتكتشف أن ذلك ليس طلبا للسلوك الحميد وغيرة على الأخلاق وإنما كل القصد من ذلك هو منع كرم كردى وأحمد مجاهد حيث كان كل منهما رئيساً لناد، وسبق له الاعتداء البدنى على حكم فى مباراة كرة.. ومن يطلب تعديل شروط انعقاد الجمعية للاتحاد أو نظام المسابقات وتكتشف أنها مجرد مساومات من أجل مكاسب شخصية.. حتى الذين يديرون اتحاد الكرة حاليا لا تجدهم على قدر مسؤوليتهم التاريخية.. وإذا كان كثيرون يهاجمون هذا الاتحاد الحالى لأنه يعجز حتى الآن عن إقرار وإعلان أى عقوبة على المصرى وجماهيره.. ويبالغون فى هذا الهجوم لدرجة إطلاق أوصاف وألقاب خادشة وجارحة ولا تليق.. فالانتقاد الحقيقى الذى يستحقه مسؤولو اتحاد الكرة الحالى.. ولكن دون أى إهانة أو تجريح شخصى أو انتقاص من قدر ومكانة أحد منهم.. هو عجز هذا الاتحاد عن توفير كل السب من أجل جمعية طارئة واستثنائية.. ولا أتحدث عن إجراءات ولوائح وإنما عن إدارة للفكر وفتح الأبواب عن آخرها للأفكار والطموحات والنقاشات من أجل دستور كروى جديد تحتاجه مصر وتستحقه أيضا.