x

عزت القمحاوي التقارب مع أمريكا فى ضوء خلع داعش وتثبيت الحوثيين عزت القمحاوي الإثنين 29-09-2014 21:22


يستند الدهاء السياسى الإيرانى إلى تعقيد صناعة السجاد بقدر استناده إلى باطنية المذهب الشيعى، حتى أصبح مشهورًا عن الدبلوماسية الإيرانية أنها تعلن شيئًا وتقصد آخر، بينما تنوى شيئًا ثالثًا!

والحق أن هذا التوصيف للدبلوماسية الإيرانية ـ بهدف المدح أو الذم ـ هو القانون الأساسى لمصارعة المحترفين السياسية، وفى ضوئه علينا أن نفهم التقارب الأمريكى مع مصر. من الجيد أن نرى فى لقاء الرئيسين السيسى وأوباما تذويبًا للجليد يصب فى مصلحتنا مثلما يصب فى المصالح الأمريكية فى هذه اللحظة. لكن أن نقرأ تصريحات الأمريكيين باعتبارها فهمًا أمريكيًا متأخرًا لخطورة خطة تقسيم المنطقة على أساس دينى؛ فهذه هى الغفلة بعينها. لأن الله لا يقذف بعلمه فجأة فى قلوب الدول على طريقة الإشراق الصوفى، بل هناك أجهزة تعمل ولا تسمح لنفسها بالكثير من الخطأ.

وعلينا بداية ألا نرى مصر كونًا بذاتها، بل يجب أن نراها ـ كما هى فى الواقع ـ جزء من سجادة المنطقة، ونختبر عدد العُقد فى السنتيمتر المربع من هذه السجادة التى يكثر عليها اللاعبون، فهناك روسيا وأوروبا وتركيا والخليج وبالطبع أمريكا وإيران. وقد تزامنت زيارة الرئيس لأمريكا مع تكثيف حملات التحالف الجوية ضد تنظيم داعش، ولنلاحظ أن التركيز الأكبر للقصف كان على منشآت النفط، وفى التوقيت ذاته سقطت صنعاء فى يد الحوثيين المدعومين إيرانيًا.

كل الأطراف تشاركت فى اختراع داعش، وكل الأطراف تشارك فى تقويضها، وكل الأطراف سهلت تقدم «أنصار الله» فى اليمن. والجميع سيخرجون خاسرين باستثناء أمريكا وإيران اللتين تفهمان فى تعقيدات صناعة السجاد. تمضى تركيا وراء حلم الخلافة بثبات حصان الجر الذى تعوقه النظارات عن النظر يمينًا أو شمالاً، فيتورط فى خطط تفتيت سورية والعراق، بينما مصلحة تركيا الاستراتيجية تقتضى وجود عراق موحد وسورية موحدة ليبقى حلم «الأمة الكردية» بعيد المنال. وكذلك يمضى القرار الخليجى بجموده المعتاد، تتصرف بعض أطرافه بوصفها المصرف الذى يمول الخطط الأمريكية، وتتصرف أخرى بدافع من مصالحها الثابتة فى منع خطر هبوب رياح التحديث السياسى من دول الجوار. ظهرت ترجمة هذا الواقع بتمويل طرفى الحرب العراقية الإيرانية طوال عقد الثمانينيات، مثلما ظهرت اليوم فى تمويل قيام داعش ثم تمويل تقويضها بعد أن أدت هدف إعاقة الثورة المدنية السورية. وأما بالنسبة لأمريكا فالربح الاقتصادى المؤكد استنزاف فوائض النفط فى تأسيس التنظيمات وهدمها، وضمان استمرار استراتيجية التقسيم الطائفى، بينما تستفيد إيران من العراق المضعضع وتأمل فى دولة شيعية بجوارها، وتأمل بهلال شيعى فى ساحل سورية ولبنان، فإذا بها تتلقى العوض فى اليمن!

فرض الخليج على اليمنيين اتفاق الرياض الذى أعفى على عبدالله صالح من المسؤولية وأعاد نظامه بالتمام والكمال، وكانت إعادة الميت على عرش سبأ، بوابة اليأس والفراغ الذى استغله الحوثيون. منطق الخسارة والربح هنا أكثر وضوحًا، فالطرف الخليجى خاسر بوجود يمن شيعى فى خاصرة السعودية، لكن أمريكا وإيران المتفاهمتين جيدًا رابحتان. أمريكا ربحت استمرار خطتها وإيران ربحت دولة شيعية جديدة، ستقول شيئًا لتطمئن اليمنيين وتقصد طمأنة السعودية والخليج، وتنوى شيئًا ثالثًا بعد أن تستقر.

وفى ضوء هذا الواقع علينا ألا نبالغ فى تقدير مظاهر التحول الأمريكى بخصوص مصر، وأن نحذر الأصدقاء بقدر حذرنا من الأعداء، وأن نبنى الداخل بطريقة أكثر جدية مما فعلنا حتى الآن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية