في منزل والده الكائن في 12 شارع قنواتي بحي باكوس بالإسكندرية ولد الرئيس الراحل، جمال عبدالناصر، في 15 يناير 1918، وكان الابن الأول لوالديه، وهو ينتمي لأصول صعيدية، حيث ولد والده في قرية بني مر بأسيوط، ونشأ في الإسكندرية، وعمل وكيلًا لمكتب بريد باكوس، وهناك تزوج من «فهيمة»، المولودة في ملوي بالمنيا.
بدأ عبد الناصر نشاطه السياسي عندما رأى مظاهرة في ميدان المنشية بالإسكندرية، وانضم إليها، دون أن يعلم مطالبها، وعلم بعد ذلك أن هذا الاحتجاج كان من تنظيم جمعية «مصر الفتاة»، بغرض التنديد بالاحتلال الإنجليزي، عقب قرار إلغاء دستور 1923 وقتها وقع في قبضة الأمن، وتم احتجازه ليلة واحدة، حتى أخرجه والده، ثم انتقل مع أبيه للقاهرة، عام 1933، والتحق بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة ومثل في عدة مسرحيات مدرسية، وكتب مقالات بمجلة المدرسة، منها مقالة عن الفيلسوف الفرنسي، فولتير، بعنوان «فولتير.. رجل الحرية».
وفي 13 نوفمبر 1935، قاد مظاهرة طلابية ضد الحكم البريطاني، احتجاجًا على البيان، الذي أدلى به صمويل هور، وزير الخارجية البريطاني، الذي رفض عودة الحياة الدستورية في مصر، وأصيب عبدالناصر بجرح في جبينه سببته رصاصة من ضابط إنجليزي، وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة «الجهاد»، التي كان يصدرها ويملكها توفيق دياب حيث وقع الحادث بجوارها، ونشر اسمه في العدد، الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى.
تقدم عبد الناصر، عام 1937، إلى الكلية الحربية ولم يقبل، فالتحق بكلية الحقوق في جامعة الملك فؤاد، «جامعة القاهرة حاليًا»، وتركها بعد فصل دراسي واحد، ليعاود محاولة الالتحاق بالكلية الحربية، بعد إعلانها استعدادها لقبول دفعة استثنائية، ووقتها تم قبوله، وتخرج في «الحربية»، عام 1937، والتحق بسلاح المشاة، وانتقل للسودان بعد 4 سنوات ثم عاد منها، عام 1942، وحصل حينها على وظيفة مدرب في الأكاديمية العسكرية الملكية بالقاهرة، فى مايو 1943، ثم تم قبوله في كلية الأركان.
وبعدها شارك في حرب فلسطين 1948، وخدم في كتيبة المشاة السادسة، وحوصرت فرقته في الفالوجة وأصيب بجروح، ورفضت كتبيته الاستسلام، إلى أن أدت المفاوضات إلى التنازل عن الفالوجة لإسرائيل.
عاد عبدالناصر إلى وظيفته مدرسا في الأكاديمية، عام 1949، وعمل على اختيار مجموعة من الضباط الوطنيين للعمل تحت اسم «جمعية الضباط الأحرار»، ونظم «اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار»، والتي تألفت من 14 عضوًا من مختلف الخلفيات السياسية والاجتماعية، بما في ذلك ممثلين عن «الشباب المصريين والإخوان المسلمين والحزب الشيوعي المصري، والطبقة الأرستقراطية".
وانتخب ناصر رئيسًا للجمعية، وعام 1950، وصل عدد قادة تنظيم «الضباط الأحرار» إلى 90 عضوًا، ولم يكن أحد يعرف جميع الأعضاء ومكانهم في التسلسل الهرمي باستثنائه، وظل نشاطه مقتصرًا لعامين على تجنيد الضباط ونشر المنشورات السرية، إلى أن كانت انتخابات نادي الضباط، الذي رشح فيه الملك فاروق، حليفه، حسين سري عامر، لينافس اللواء محمد نجيب. وكان عبد الحكيم عامر نجح في ضم «نجيب» للتنظيم، الذي فاز في الانتخابات فألغاها «فاروق»، ثم كانت مجزرة الإسماعيلية في 25 يناير عام 1952، ثم حريق القاهرة، مما عجل بقيام الثورة، التي انطلقت في 23 يوليو 1952، حيث استولى الضباط الأحرار على مقر قيادة الجيش والإذاعة والمرافق الحيوية.
وفي 18 يونيو 1953، تم إلغاء النظام الملكي وأعلنت الجمهورية، وكان «نجيب» أول رئيس للبلاد، وحكم الضباط الأحرار باسم «مجلس قيادة الثورة"» عن طريق «نجيب»، وفي مارس 1953، قاد ناصر الوفد المصري للتفاوض على انسحاب القوات البريطانية من قناة السويس.
تكرر الخلاف بين «ناصر ونجيب»، وانتهى بتنحية الثاني، بينما جاء الأول رئيسًا للجمهورية في 26 أكتوبر1954، حاول محمد عبد اللطيف، أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، اغتيال عبد الناصر، عندما كان يلقي خطابًا في المنشية، وبعد عودته إلى القاهرة، اعتقل عددًا من أعضاء «الإخوان»، وأقال 140 ضابطًا مواليًا لـ«نجيب»، كما حكم على 8 من قادة «الإخوان» بالإعدام.
رأى ناصر أن الحفاظ على الموقع الريادي الإقليمي لمصر، يكون باللجوء إلى الكتلة الشرقية فأبرم اتفاق شراء أسلحة من تشيكوسلوفاكيا، وأصبح ميزان القوى بين مصر وإسرائيل أكثر تعادلًا.
وتعزز دوره كقائد للعرب يتحدى الغرب وسعت جهود عبد الناصر للتصدي للاستعمار في أفريقيا وآسيا، وتعزيز السلام العالمي في ظل الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي، وقدم الدعم من أجل استقلال تونس والجزائر والمغرب عن الحكم الفرنسي، ودعم حق عودة الفلسطينيين.
وبعد مؤتمر «باندونج»، أعلن «الحياد الإيجابي» لمصر بشأن الحرب الباردة. وفي عام 1958، أقام وحدة اندماجية مع سوريا إلا أنها لم تدم طويلاً، حيث حدث انقلاب في سوريا، سبتمبر1961، مما أدى إلى إعلان الانفصال، وبعد نكسة 1967، خرج عبد الناصر على الجماهير معلنًا تنحيه عن منصبه، إلا أن المظاهرات في العديد من مدن مصر وفي القاهرة طالبته بعدم التنحي، فعدل عن قراره وخاض حرب استنزاف ضارية ومؤلمة لإسرائيل.
حقق ناصر نجاحات عدة جعلت الفقراء ينتصرون لسيرته كلما ذكرت باعتبار أنه أنصفهم بعد العهد الملكي، رغم انتقادات البعض لفترة حكمه.
وكان من بين نجاحاته تأميم قناة السويس، وإنشاء السد العالي، وبحيرة ناصر، وأصدر قوانين الإصلاح الزراعي، وأنشأ التليفزيون المصري، وتوسع في التعليم المجاني بكل المراحل، ومجال الصناعات التحويلية، حيث أنشأ أكثر من 3600 مصنعًا وعدة مدن وأحياء جديدة، مثل مدينة نصر، كما أسس جهاز المخابرات العامة.
كما شهدت الثقافة والفنون ازدهارا لافتًا في عهده، وداهمته نوبة قلبية وتوفي في 28 سبتمبر 1970، عن 52 عاما، بعد 16عامًا قضاها في الحكم.