تثور منذ فترة أصوات عن قرب استرداد الأموال المهربة للخارج من رجال النظامين السابق والأسبق، وهذه الأصوات ليست أصواتا سياسية فقط، بل إن منها أصواتا قانونية من وقت لآخر، ولكن فى الحقيقة فإن الأموال المهربة قد تم تهريبها والتعامل معها بأحد طرق ثلاثة فقط وهى:
الطريق الأول:
وهو أن يتم تحويلها إلى بنوك فى بعض البلاد، خاصة فى جنوب أمريكا (أمريكا اللاتينية)، حيث أُنشئت بنوك باسم «أوف شوور»، أى بنوك خارج النطاق الإقليمى للدولة، أى لا ينطبق عليها قانون الدولة، ومعظم هذه البنوك تقبل أموالا على الأقل بمبلغ مائة مليون دولار ولا تطلب من المودع أن يذكر أى بيانات له حتى ولا اسمه، ولكن الحساب يودع تحت رقم يحدده البنك، ويكون سحب الأموال والتصرف فيها ببصمة الصوت أو التوقيع الإلكترونى أو أى طريقة يرتضيها المودع.
الطريق الثانى:
وهو عن طريق شركات متخصصة فى غسيل الأموال، وتحول إليها الأموال وتشترى بها أسهما، وهذه الأسهم يتم إدخالها فى شركات، ومنها إلى شركات أخرى، وتتعدد الشركات، ومن ثم يختفى اسم صاحب الأموال ولا يمكن الكشف عليها إلا بمعرفته هو شخصيا.
الطريق الثالث:
هو الطريق التقليدى من خلال إيداع الأموال فى بنوك مثل سويسرا أو البنوك الأجنبية تحت اسم المودع فى حساب سرى، وهنا تطلب الدول التى بها هذه البنوك أن يصدر حكم نهائى بات عادل من الدولة التى تطالب بالأموال، أى أن يكون حكما نهائيا استنفد كل طرق الطعن، أى من محكمة النقض.
وكلنا يعلم أن الإجراءات القضائية للوصول لحكم نهائى بات فى مصر تبدأ من المحكمة المختصة والاستئناف، إن وجد، ثم محكمة النقض التى تستغرق وقتا طويلا لفحص الأحكام المطعون عليها لغزارة الدعاوى المنظورة أمامها، ويمكن أن تنقض الحكم وتعيده إلى دائرة أخرى ثم تعيده إلى محكمة النقض لفحص الحكم بعد ذلك، وإذا أصدرت حكمها النهائى البات بعد عشر أو خمس عشرة سنة، وإذا استمر المتهم على قيد الحياة فإنها ترسل إلى محاكم الدولة التى توجد بها الأموال للمطالبة بصدور الحكم بتسليم الأموال، وهنا تقوم هذه المحاكم بمراجعة قانونية الحكم وعدالته ولها الحق فى الموافقة أو الرفض تحت أى اسم، خاصة أن من صالحها استمرار وجود هذه الأموال لديها، خاصة إذا تم تجميدها لأنها لا تدفع أى نوع من الفوائد أو التكلفة.
ولابد أن نشير إلى أن قانون الإجراءات الجنائية المصرى لا يسمح لمحكمة الجنايات بأن تستمع لأى متهم غائب أو حتى الاستماع إلى محاميه أو أى دفاع، بل تصدر المحكمة حكمها مباشرة من أوراق التحقيق دون الاستماع إلى الدفاع القانونى، ومن ثم يعتبر ذلك حكما غير عادل، حتى يعود المتهم ويسلم نفسه أو يقبض عليه وتتم إعادة الإجراءات.
ولذلك فليتوقف من يتحدث عن استرداد الأموال والتفاوض والسفر إلى بلاد هذه الأموال لأنها بلا عائد، وهناك أمثلة كثيرة لبعض الدول كانت تلاحق الفاسدين ولم تحصل على شىء.
وقد كان ذكاء الرئيس مانديلا فى تحقيق العدالة الانتقالية بأن قام بعد توليه الحكم بعد 28 سنة سجنا بالنظر للأمام، والدعوة إلى التفاوض- إلا مع المتهمين فى جرائم الدم- للمصالحة لرد الأموال المهربة، والدعوة لمزيد من المستثمرين لاستثمار أموالهم فى جنوب أفريقيا، وقد نجح فى ذلك، وفى خلال خمس سنوات من حكمه كانت جنوب أفريقيا فى مصاف الدول العظمى، بالرغم من المشاكل التى كانت ومازالت تحيط بها.
فهل نستفيد من مبادئ العدالة الانتقالية أم نستمر فى الانتقام وتطفيش المستثمرين والأموال، مما يهدد الاقتصاد والمستقبل المصرى بعد ثورة عظيمة قامت لتحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر وجذب الاستثمار؟!
* أستاذ ورئيس قسم القانون الدولى بكلية الحقوق جامعة الزقازيق