x

خضر سلامة سوريا الثورة.. سوريا الحرب الأهلية خضر سلامة الأربعاء 29-02-2012 23:59


هل مهمة الإعلام، نقل الخبر، أم صناعته؟ التعبير عن الرأي، أم توجيهه؟ نقل الواقع أم صياغته، والأهم تعريف الناس إلى الشخصيات العامة أم تلقيمهم القيادات؟ هذه الأسئلة كلها تدور في فلك الحراك الشعبي السوري، الذي يدخل عامه الأول، وسط انسداد الأفق التغييري الممكن بعد تشريع النظام والمعارضة على حد سواء، لتحويل سوريا إلى ساحة معركة القوى الاقليمية على شروط العالم الجديد، من بوابة منطقة المشرق.


بدأ الحراك السوري قبل سنة، ومعه ومع الحراكات الشعبية المنتصرة سورياً في تونس ومصر واليمن والمستمرة في البحرين والمنتكسة بالعسكرة في ليبيا، كان الاصطفاف واضحاً بين معسكري الاستبداد والتحرر، على التنوع السائد فيهما، ولكن، وجه المجتمع الدولي أو بالأحرى المجتمع الواشنطني ووكلاءه العرب، ضربة سياسية غير مباشرة للحراك الشعبي، عبر الدفع باتجاه تشكيل المجلس الوطني السوري، الذي أتى سياسياً وشعبياً بالديمقراطية نفسها، التي أتى بها بشار الأسد: التعيين، وتحول المجلس الوطني إلى علامة فارقة لعدة نقاط مستجدة، وإدخال القوى الإقليمية والدولية في بازار الثورة السورية عبر وعد سوريا بمستقبل اقتصادي وسياسي منسجم مع الخيار الأمريكي، بوكيليه التركي والقطري في المنطقة، وقسم ظهر المعارضة، عبر خلق شرخ بين هيئة التنسيق الوطنية والمجلس، الذي دفع باتجاه إدخال لغة التخوين وتحويل الصراع إلى صراع داخلي في الجسد المعارض، وأخيراً تشريع سياسي وأخلاقي للطائفيين والتكفيريين والقوى المشبوهة وبعض المرتبطين علناً وسراً باللوبي الإسرائيلي في أكثر من دولة.


إذن انتكس الحراك السوري بمجلسه، عرف النظام، الذي نعفيه من الانتقاد كونه سقط سياسيا وأخلاقيا بنظرنا، وموضوعه منتهي كنظام لا شرعي لا منتخب، عرف النظام كيف يستدرج الحراك من بوابة المجلس، إلى التدويل وتعريته، استقطب المجلس هوى الشارع المعارض، (ولا نشمل) بلغته الشعبوية والعاطفية المزايدة، بينما استهدف الإعلام الخليجي هيئة التنسيق بلغة الإهمال تارة والتسخيف تارة أخرى، أو التشكيك في حقيقة معارضتها. والحقيقة أن المعارضة العقلانية الحقيقية تتمثل في هذه الجزئية الأخيرة، هيئة التنسيق، التي شنت عليها الحملات الإعلامية والمغرضة، لا لشيء إلا لثابتين سياسيين واخلاقيين في خطابها، أولهما: هو رفض التحالف مع الاسلاميين، خصوصاً التكفيريين وأصحاب المبادئ المشبوهة، التي لا تتناسب مع الفسيفساء السوريا، من بوابة حرص الهيئة على بناء مستقبل لا متلبنن ولا متبلقن، لسوريا، وثانياً: رفض الهيئة أي تنسيق مشبوه مع الصالونات الدولية من بوابة سيناريو العراق أو ليبيا، كون هذا السيناريو يؤمن البديل السياسي صحيح، ولكنه لا يسقط النظام فقط، بل يسقط الوطن كنسيج متكامل.


يحق لنا أن نسأل: «لماذا هذا الإصرار الدولي على اختزال الحراك السوري بشخص المجلس الوطني فقط؟». وللعلامة الفارقة، فالمجلس الوطني متكون بأغلبيته الساحقة من يمين اقتصادي وسياسي، ومن يمين ديني وأصولي، تحالف هذا اليمين الغريب برعاية أمريكية وحفاوة تركية، واستقباله في الدول الدائرة في الفلك القطري خصوصاً، يطرح عدة أسئلة حول شرعية هذا المجلس ودوره المشبوه في سوريا الغد، يحق لنا أن نسأل: «ما الضمانات التي أعطاها هذا المجلس تحديداً، ولم تعطيه مكونات معارضة أخرى، لما يسمى بالمجتمع الدولي (وهو مصطلح جائر كون أوروبا وأمريكا ليستا العالم!)». هنا يصح الاستنتاج بأن المعركة الدولية تدور حول البحث عمن يستطيع ضمان مصالح الدول الكبرى. فبين معركة الدرع الصاروخية المزمع نشرها حول روسيا، وبين معركة مد أنابيب الغاز القطري والآسيوي إلى أوروبا للاستغناء عن غاز روسيا، وبين معركة تجريد إيران من حليفها الأوحد في معركة النووي المقبلة، ودور العراق المقبل، وطبيعة الدولة الإسرائيلية وأمنها الاستراتيجي، يبدو أن الضحية الوحيدة هى شعب سوري أعزل، بين مطرقة نظام قمعي دموي مجرم، وقيادات مرتهنة، جلبية الهوى «أحمد جلبي العراق»، تساوم على خيارات استراتيجية وشكل اقتصادي مزمع ودور سياسي ملحق، مقابل الكرسي، ولو على حساب ألف شهيد سوري، أو سبعة!


الحراك السوري على بوابة التأهل إلى مرحلة حرب أهلية، وسط غياب المعارضة، أو قياداتها على الأقل، عن تشكيل خطاب لائق باستقطاب الأقليات الكثيرة في سوريا والخائفة من خطاب التكفير والتخوين وهدر دماء الموالين «كما تهدر دماء المعارضين» بالمنطق البعثي الحاكم نفسه منذ أربعين سنة، كان لزاماً البحث عن وسيلة، كي لا يظهر في كل منا نفسية بعثي صغير، يخون ويستجدي العالم للحفاظ على موقعه، على أمل أن تكون السنة الجديدة، مفتاح خروج قيادات شبابية واعية لسوريا الوطن، لا السلطة قادرة على تكوين حوار وطني حقيقي، لا يكتمل الإ بقبول الموالين والمعارضين على اختلاف انتماءاتهم، لحق الآخر في الوجود، من أجل الخروج بسوريا أقوى. المطلوب قيادات تسقط المعادلة التي سوقها الموالون والمعارضون في الفترة الماضية: إما السيادة أو الديمقراطية. نريد سوريا ديمقراطية سيدة وحرة، ديمقراطية تخلع بشار الأسد وتنصب حكومة وطنية غير معينة من الخارج الأمبريالي، تحافظ على السيادة الوطنية وعلى الخيارات والثوابت المقاومة للشعب السوري، ولا تشوهها بثقافة مشبوهة وإعلام تحريضي. سوريا، لا بشار ولا استعمار، سوريا شعب الأحرار.

لأننا نحب سوريا.

نشر هذا المقال في الطبعة الانجليزية إيجيبت إندبندنت

www.egyptindependent.com

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية