قال الرئيس، عبد الفتاح السيسي، إنه «يقف أمام الحضور بالجمعية العامة للأمم المتحدة، كأحد أبناء مصر، كما وجّه التحية لالاف المصريين الذين جاءوا للتعبير عن مصر الجديدة». وأضاف السيسي، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء، أن «الشعب ثار مرتين ضد الفساد وسلطة الفرد، وضد الطغيان»، موضحًا أن العالم بدأ يدرك ما حدث في مصر، وأسباب خروجه ضد قوى التطرف والظلام». وإلى نص الكلمة: «يسرنى فى البداية أَنْ أتقدمَ إليكم، ولبلدِكم الشقيق، بالتهنئةِ على توليكم رئاسةَ الجمعيةِ العامةِ لهذه الدورة، مُعرَباً عن ثِقَتِنا فى قيادتِكم الحكيمةِ لأعمالِها، ومساندتِنا لكم فى أداءِ مهامِكُم.. وأنتَهزُ هذهِ الفرصة لتوجيهِ التحيةِ لسلفكم لجهودِه المتميزة كرئيس للدورةِ السابقة.. كما أجدد دعمنا الكامل للسكرتيرِ العام فى مساعيه لتحقيقِ مقاصدِ ميثاق الأمم المتحدة. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ، السيدات والسادة ، أقف أمامكم اليوم كواحدٍ من أبناءِ مصرَ ، مهد الحضارة الانسانية، ومن هذا المنبر أستهل حديثى بتوجيه التحية لشعب مصر العظيم، والمصريين القادمين من كل الولايات الأمريكية، شعب مصر العظيم الذى صنعَ التاريخَ مرتين خلال الأعوام القليلة الماضية.. تارة عندما ثار ضد الفساد وسلطة الفرد ، وطالب بحقه فى الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية.. وتارة أخرى ، عندما تمسك بهويته ، وتحصن بوطنيته ، فثارَ ضد الإقصاء، رافضاً الرضوخ لطغيان فئة باسم الدين، وتفضيل مصالحها الضيقة على مصالح الشعب تلك بإيجاز شديد ، معالم اللحظات الفارقة التى عاشتها مصر فى الفترة الماضية، لكنها ليست إلا مرحلة من مسيرة ممتدة ، بطول وبإتساع آمال وتطلعات المصريين ، ليومٍ أفضل وغدٍ أكثر ازدهاراً. لقد بدأ العالم فى إدراك حقيقة ما جرى فى مصر ، وطبيعة الأوضاع التى دفعت الشعب المصرى، بوعيه وحضارته ، إلى الخروج منتفضاً ضد قوى التطرف والظلام ، التى ما لبثت أن وصلت إلى الحكم ، حتى قوضت أسس العملية الديمقراطية ودولة المؤسسات، وسعت إلى فرض حالة من الاستقطاب لشق وحدة الشعب وصفه.. ولعل ما تشهده المنطقة حالياً ، من تصاعد التطرف والعنف باسم الدين ، يمثل دليلاً على الأهداف الحقيقية لتلك الجماعات التى تستغل الدين ، وهو ما سبق لنا أن حذرنا منه مراراً وتكراراً . إن قيم العدل والمحبة والرحمة التى جاءت فى اليهودية والمسيحية والإسلام قد تحولت على يد تلك الجماعات إلى طائفية مقيتة وحروب أهلية واقليمية مدمرة يقع ضحيتها أبرياء من أديان مختلفة. السيد الرئيس ، السيدات والسادة ، يُدرِكُ الشعبُ المصرى، وأُدرِكُ من واقع المسئولية التى اتحملها منذ إنتخابى رئيساً، أن تحقيق أهدافنا بدأ ببناء دولة مدنية ديمقراطية ، فى ظل المبادئ التى سعينا إليها من خلال الاِلتزام بخارطة المستقبل، التى توافقت عليها القوى الوطنية المصرية ، والتى تكتمل بإجراء الإنتخابات البرلمانية ، بعد أن قال الشعب المصرى كلمته ، وعبر عن إرادته الحرة فى الإنتخابات الرئاسية ومن قبلها الدستور ، لنبنى " مصر الجديدة ".. دولةٌ تحترم الحقوق والحريات وتؤدى الواجبات ، تضمن العيش المشترك لمواطنيها دون إقصاء أو تمييز .. دولةٌ تحترم وتفرض سلطةَ القانون الذى يستوى أمامَهُ الكافة ، وتَضْمَنُ حريةَ الرأى للجميع ، وتَكْفُلُ حريةَ العقيدةِ والعبادةِ لأبنائها.. دولةٌ تسعى بإصرار لتحقيق النمو والإزدهار ، والإنطلاق نحو مستقبل واعد يلبى طموحات شعبها . وفى اطار العمل على تنفيذ ذلك ، بدأت مصر فى تنفيذ برنامج شامل طموح لدفع عملية التنمية حتى عام 2030 ، يستهدف الوصول إلى إقتصاد سوق حر ، قادر على جذب الإستثمارات فى بيئة أمنية مستقرة.. ولعل فى مشروع قناة السويس الجديدة ، هدية الشعب المصرى إلى العالم ، ما يؤكد على جديه هذا التوجه ، وعلى حرص " مصر الجديدة " على بناء غدٍ أفضل لأبنائنا وشبابنا ، ولذا أدعوكم للمشاركة فى المؤتمر الإقتصادى الذى سيُعقد فى مصر خلال شهر فبراير القادم ، من أجل تحقيق التنمية وبناء المستقبل ، ليس لمصر فحسب، وإنما للمنطقة بأكملها. إن هذه الخطوات تُعَبِرُ باختصار عن مضمون العقد الإجتماعى ، الذى توافق عليه المصريون فى دستورهم الجديد ، لبناء حاضر ومستقبل مشرق لشبابنا ، ولتأسيس دولة المؤسسات وسيادة القانون ، التى تحترم القضاء ، وتضمن إستقلاله ، وتُفَعِّل مبدأ الفصل بين السلطات ، دون تراجع أمام إرهاب يظن أن بمقدروه إختطاف الوطن وإخضاعه. ذلك الإرهاب الذى عانت مصر من ويلاته منذ عشرينيات القرن الماضى ، حين بدأت إرهاصات هذا الفكر البغيض تبث سمومها ، مستترة برداء الدين للوصول إلى الحكم وتأسيس دولة الخلافة، اِعتماداً على العنف المسلح والإرهاب كسبيل لتحقيق أغراضها. وهنا أريد أن أؤكد ، أنه لا ينبغى السماح لهؤلاء الإساءة للدين الإسلامى الحنيف، ولمليار ونصف المليار مسلم ، الذين يتمسكون بقيمه السامية؛ فالدين أسمى وأقدس من أن يوضع موضع الإختبار فى أية تجارب إنسانية ، ليتم الحكم عليه بالنجاح أو الفشل . إن الإرهاب وباءٌ لا يفرق فى تفشيه بين مجتمع نام وآخر متقدم.. فالإرهابيون ينتمون إلى مجتمعات متباينة ، لا تربطهم أية عقيدة دينية حقيقية ، مما يحتم علينا جميعاً ، تكثيف التعاون والتنسيق لتجفيف منابع الدعم الذى يتيح للتنظيمات الإرهابية مواصلة جرائمها ، إعمالاً لمبادئ ميثاق الأمم لمتحدة وتحقيقاً لأهدافها . السيد الرئيس ، السيدات والسادة ، إن ما تعانيه منطقتنا من مشكلات ناجمة عن إفساح المجال لقوى التطرف المحلية والإقليمية، وحالة الإستقطاب إلى حد الإنقسام والإقتتال ، أضحى خطراً جسيماً يهدد بقاء الدول ويبدد هويتها.. مما خلق للإرهاب وتنظيماته بيئة خصبة للتمدد وبسط النفوذ . ومن هذا المنطلق ، فإن الأزمات التى تواجه بعض دول المنطقة ، يمكن أن تجد سبيلاً للحل يستند على محورين رئيسيين ، لدعم بناء الدولة القومية : يشمل الأول ، تطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون بناءً على عقد اجتماعي وتوافق وطني، مع توفير كافة الحقوق ، لاسيما الحق فى التنمية الشاملة ، بما يُحصِن المجتمعات ضد الإستغلال والإنسياق خلف الفكر المتطرف ؛ أما المحور الثانى ، فهو المواجهة الحاسمة لقوى التطرف والإرهاب ، ولمحاولات فرض الرأى بالترويع والعنف ، وإقصاء الآخر بالإستبعاد والتكفير . وقد طرحت مصر بالفعل ، وبتوافق مع دول جوار ليبيا ، مبادرة ترسم خطوات محددة وأفقاً واضحاً لإنهاء محنة هذا البلد الشقيق ، يمكن البناء عليها للوصول إلى حل سياسى يدعم المؤسسات الليبية المنتخبة ، ويسمح بالوصول إلى حل سياسى شامل ، يضمن وقف الاقتتال ويحفظ وحدة الأراضى الليبية ، وحتى يمكن تنفيذ ذلك ، ينبغى وقف تهريب السلاح إلى ليبيا بشكل فعال، وعدم التساهل مع التيارات المتطرفة التى ترفع السلاح ، وتلجأ للعنف ، ولا تعترف بالعملية الديمقراطية . وفى سوريا الشقيقة ، وعلى الرغم من متابعتنا للوضع الإنسانى المحزن ، وما خلفته الأزمة السورية من دمار وضحايا أبرياء ، فإننى أثق فى إمكانية وضع إطار سياسى ، يكفل تحقيق تطلعات شعبها ، وبلا مهادنة للإرهاب أو إستنساخ لأوضاع تمردَ السوريون عليها.. وأود أن أؤكد ، دعم مصر لتطلعات الشعب السورى فى حياة آمنة ، تضمن إستقرار سوريا وتصون سلامتها الإقليمية ، ووحدة شعبها وأراضيها . كما يمثل تشكيل حكومة جديدة فى دولة العراق الشقيقة ، وحصولها على ثقة البرلمان تطوراً هاماً ، يعيد الأمل فى الإنطلاق نحو تحسن الأوضاع فى العراق ، ونجاح المساعى الداخلية والخارجية الرامية إلى تحقيق الإستقرار ، وإستعادة المناطق التى وقعت تحت سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابى ، بهدف الحفاظ على وحدة الأراضى العراقية ، ووقف نزيف الدماء. وعلى الرغم من تعدد الأزمات التى تهدد منطقتنا ، والتى تحدثت عن بعضها ، تبقى القضية الفلسطينية على رأس إهتمامات الدولة المصرية.. فمازال الفلسطينيون يطمحون لإقامة دولتهم المستقلة على الأراضى المحتلة عام 1967 ، وعاصمتها " القدس الشرقية " ، تجسيداً لذات المبادئ التى بُنِيت عليها مسيرة السلام بمبادرة مصرية ، منذ سبعينيات القرن الماضى ، وهى مبادئ لا تخضع للمساومة وإلا تآكلت أسس السلام الشامل فى المنطقة ، وضاعت قيم العدالة والإنسانية.. ويقيناً ، فإن اِستمرار حرمان شعب فلسطين من حقوقه ، يوفر مدخلاً لإستغلال قضيته لتأجيج أزمات أخرى ، ولتحقيق البعض لأغراض خفية ، وإختلاق المحاور التى تُـفَـتِتُ النسيج العربى ، وفرض الوصاية على الفلسطينيين ، بزعم تحقيق تطلعاتهم. ولا يمكن أن أغفل الإشارة إلى الاهتمام الذي توليه مصر لقضايا قارتها الافريقية. إن التضامن والإخاء الذي يجمع بين شعوبها وأيضاً التحديات المشتركة التي تواجهها، تفرض علينا العمل بمزيد من الجد ووضوح الرؤية لتحقيق طموحات شعوبنا، في الديمقراطية والتنمية، والحفاظ علي كرامة الفرد، وايلاء الاهتمام الواجب لشبابنا، وتطلعهم لمستقبل أكثر إشراقا، إن نجاحنا في ذلك هو ضمان مستقبل دولنا. وأدعو من هذا المنبر أن يتكاتف المجتمع الدولي، انطلاقا من إنسانيتنا المشتركة للتصدي لوباء الايبولا، الذي تتعرض له عدد من دول غرب افريقيا. إن مكافحة هذا المرض هي مسئولية جماعية لرفع المعاناة عن غير القادرين، كذلك لتوفير الحماية لعالمنا الذي تنحسر المسافات فيما بين أرجائه بفضل طبيعة العصر وما بلغه من كثافة التواصل. السيد الرئيس ، السيدات والسادة ، إن ما سبق يضع مسئولية خاصة على مصر ، ودولتها القوية التى سبق لها مواجهة الإرهاب والتطرف فى تسعينيات القرن الماضى ، والتى أثق فى نجاحها فى إجتثاث جذور التطرف ، بفضل هويتها الوطنية.. ومصر قادرة دوماً ، على أن تكون منارة حضارية تدعم إستعادة النظام الإقليمى لتماسكه.. ولن يتوانى المصريون عن القيام بدورهم هذا ، تجاه محيطهم ، الذى يأتى فى القلب منه ، الأمن القومى العربى ، والذى تعتبره مصر جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومى ، بناءً على الاِنتماء المشترك ، والمصير الواحد ، وحرصاً على إستقرار هذه المنطقة الهامة والحيوية للعالم. إن رؤية مصر للعلاقات الدولية ، تقوم على إحترام مبادىء القانون والمعاهدات والمواثيق الدولية ، القائمة على الاِحترام المتبادل ، ومراعاة المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة.. ومصر كما تعلمون من الدول المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة ، وساهمت بقوة وما تزال ، فى جهود تحقيق أهدافها ، خاصة فى مجالات حفظ وبناء السلام وتحقيق التنمية.. ومن هنا ؛ فإن تطلع مصر للعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن لعامى 2016 و2017 ، ينبع من حرصها على توظيف عضويتها ، لتحقيق مقاصد المنظمة ومصالح الدول النامية لاسيما فى إفريقيا ، والمضى بجدية لإصلاح منظومة الأمم المتحدة ، ضمن رؤية قوامها الندية والمساواة.. ولذا ، فإننى أدعو الدول الأعضاء لدعم ترشح مصر لعضوية مجلس الأمن الدولى. السيد الرئيس ، السيدات والسادة ، نقلت إليكم وبكل تواضع ، رسالة المصريين ، نساؤهم قبل الرجال ، وشبابهم قبل الشيوخ.. وهى رسالة تعبر عن الأمل وعن الإرادة والتصميم على العمل ، وعن الإنفتاح للتعاون مع الجميع ، لتخطى كل العقبات والصعاب.. مؤكداً أن شعب مصر بعد ثورتيه ، بات المصدر الوحيد لما نتخذه من سياسات داخلية وخارجية ، فى إطار سعينا لتحقيق الإستقرار والتنمية.. تلك هى مصر التى اِستعادت ثقتها بنفسها.. مصر التى تُعْلِى قيم القانون والحرية.. مصر بهويتها العربية وجذورها الأفريقية ، مهد حضارة المتوسط ، ومنارة الإسلام المعتدل.. مصر التى تصبو نحو تسوية الصراعات فى منطقتها.. مصر التى ترنو إلى تحقيق قيم العدل والإنسانية فى عالمها.. وإننى على يقين من قدرة المصريين على العطاء ، فهى الميراث الذى خلفه أجدادنا ، وهى مَعِينُنَا الذى لا ينضبُ بإذن الله». تحيا مصر ... وتحيا شعوب الأرض المحبة للسلام ... وتحيا مبادىء الإنسانية وقيم التسامح والتعايش المشترك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.