اشتهر بين الإسرائيليين بلقبين، الأول هو «بطل الموساد» بسبب مساهماته وأعماله الجليلة في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، والثاني هو «جيمس بوند الصهيوني»، بسبب كثرة الأفلام والكتب والروايات التي تناولت قصة حياته والعمليات التي نفذها خلال عمله بالموساد.
أما الفلسطينيون والعرب بصفة عامة، فاشتهر بينهم بلقب «سفاح الموساد» بسبب كثرة الجرائم والاغتيالات التي ارتكبها بحق السياسيين والفدائيين الفلسطينيين والعرب.
إنه رجل الموساد الشهير «مايك هراري»، الذي توفي، الأحد، في منزله بتل أبيب عن عمر يناهز 87 عاما، كانت حافلة بالأسرار والمؤامرات والدماء، فقد كان قائدا أسطوريا لوحدة العمليات الخاصة بالموساد «قيساريا»، كما أسس وحدة الاغتيالات الشهيرة باسم «كيدون».
ولد هراري، في 18 فبراير 1927، في حي نافيه تسيديك بتل أبيب، وكانت والدته ربة منزل، فيما كان والده مديرا لشركة تعمل بمجال التصدير والاستيراد، وما أن بلغ 16 عاما تجند في قوات العصابات اليهودية المسلحة المعروفة باسم «بالماخ»، قبل إقامة الدولة العبرية، واشترك في الكثير من العمليات التي تستهدف الفلسطينيين، من أجل طردهم والاستيلاء على منازلهم وأراضيهم بهدف توسيع الدولة اليهودية، وكان من أبرزها تفجير جسر الشيخ حسين في وادي «بيت شان»، في 5 فبراير 1948، وكان الجسر مخصصا للعبور فوق نهر الأردن، إلى فلسطين.
كما شارك في عملية اقتحام معسكر عتاليت، في 9 أكتوبر 1945، والذي كان تابعا لقوات الانتداب البريطاني في فلسطين، والتي اعتقلت مئات المهاجرين اليهود غير الشرعيين الذين تسللوا من سوريا ولبنان إلى فلسطين، وتم اعتقالهم لإعادتهم إلى بلادهم، فقامت القوات اليهودية باقتحام المعسكر وتهريب المهاجرين.
وتم اعتقال مايك هراري على يد البريطانيين عدة مرات في تلك الفترة التي وضع فيها هراري أساليب جديدة للعمل السري، رافقته طواال مسيرته بالعمل الاستخباراتي بعد ذلك، خاصة فيما يتعلق بعمليات المطارة والمراقبة.
وحين اكتشف قائد قوات البالماخ، يجآل آلون أن هراري يجيد التحدث بخمس لغات، أرسله إلى أوروبا ليتولى ترتيب وتنفيذ عمليات سرية لتهريب المهاجرين غير الشرعيين اليهود من أوروبا إلى فلسطين بهدف الاستيطان وزيادة عدد اليهود في فلسطين.
وبعد إعلان إقامة دولة إسرائيل واصل هراري عمله باستخبارات جيش الاحتلال، ولكن تم فصله بعد فترة ليتولى فورا العمل بوزارة الدفاع على يد إيسار هرئيل. وتولى هراري في البداية مسؤولية الأمن في مطار اللد.
وفي1952، أصبح مسؤولا عن الأمن بوزارة الخارجية الإسرائيلية. وذاع صيته بعد أن أكتشف أجهزة تنصت في سفارات وقنصليات إسرائيل بالخارج، لا سيما في العاصمة المجرية بودابست وغيرها من عواصم أوروبا الشرقية. وفي عام 1954 استدعاه هرئيل مرة ثانية للانضمام إلى الموساد. وتم تعيينه بوحدة تشغيل عملاء الموساد، ثم تم إرساله إلى قيادة الوحدة، التي كان مقرها، باريس.
في 1965، انتقل هراري إلى وحدة «قيساريا» بالموساد، حيث أصبح نائبا لقائدها يوسف ياريف، وبعد 5 سنوات اصبح قائدا لها، وظل في منصبه هذا لعشر سنوات تالية، وحدد هراري أهداف عمل الوحدة المتمثلة في جمع معلومات استخباراتية قبل تنفيذ العمليات في الدول المستهدفة، وتنفيذ عمليات ارهابية وتخريبية ومهمات خاصة، وتحت قيادته نفذت وحدة قيساريا العديد من هذه العمليات في عدة دول عربية.
وبعد مقتل 11 من أفراد البعثة الرياضية الإسرائيلية في دورة ميونيخ الأوليمبية، 1972، صدرت أوامر من رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك، جولدا مائير، بتنفيذ عمليات تصفية واسعة ضد الفلسطينيين في أوروبا، وهي العملية، التي عرفت باسم «غضب الله»، فنفذت الوحدة اغتيال مسؤول حركة «فتح» في روما في صالون منزله، وتبع ذلك اغتيال 14 مسؤولا فلسطينيا آخرين. ولكن قدم هراري استقالته، في 1973، بعد أن قتل عناصر جهازه، في 1973، نادلا مغربيا في النرويج، اعتقدوا خطأ أنه الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية على حسن سلامة، الذي قتل في نهاية المطاف بتفجير سيارته في لبنان بأوامر مباشرة من مايك هراري.
وفي أبريل 1973، شارك هراري في عملية «ربيع الشباب»، التي قام خلالها رجاله مع وحدات كوماندوز إسرائيلية بالتسلل إلى بيروت وصيدا في لبنان وقاموا بتصفية 3 من كبار قيادات حركة «فتح» هناك.
كما ساعد في الاعداد لعملية عنتيبي لانقاذ ركاب طائرة تابعة لشركة الطيران الفرنسية اير فرانس خطفت، في 1976، إلى اوغندا، وباوامر من اسحق حوفي رئيس الموساد حينذاك، الذي توفي الأسبوع الماضي.
وبعد تقاعده من جهاز الموساد 1980، تولى منصب مدير عام شركة تأمين، وهي واحدة من الشركات التي يعمل الموساد تحت لافتتها متخفيا، فاصبح مستشارا أمنيا لرئيس بنما مانويل نورييجا، قبل أن يسقطه الأمريكيون، في 1989، ويعتقلونه، بعد اتهامه بالاتجار في المخدرات.
وصدر أمر أمريكي باعتقال مايك هراري نفسه لتورطه في هذه العمليات، لكنه تمكن من الهرب والعودة إلى إسرائيل.
وفي الفيلم الذي أخرجه المخرج اليهودي الشهير، ستيفن سبيلبرج، بعنوان «ميونيخ»، 2005، لعب الممثل الإسرائيلي، موشيه ايفجي، دور مايك هراري.
وأشاد وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون في بيان، الإثنين، برجل الموساد السابق، و«شجاعته وقدراته الابداعية».
وقال البيان إن «تأثير مايك هراري على الموساد وأجيال من المناضلين ملموس حتى اليوم وسيبقى كذلك لسنوات طويلة».