أعجبنى جداً مقال أخير للأستاذ عزت القمحاوى جاء فيه ما نصه «ليس بوسعنا أن ننجز التقدم بوضع ميزانيات وتدبير موارد للنهوض بقطاعات الدولة المختلفة دون تفكيك منظومتى الكذب والتنكيل».. وقد كتب ذلك تعليقاً على كلام الرئيس السيسى فى احتفال عيد المعلم الذى اعترف فيه بصعوبة الأحوال المعيشية للمعلمين وعدم استعداد الدولة لتقديم الدخل اللائق فوراً، وهو ما يُفهم منه صعوبة التخلص من ظاهرة الدروس الخصوصية حالياً.. واعتبر الأستاذ عزت هذا الحديث شيئاً إيجابياً باعتبار أن رأس الدولة قد فتح الباب لكسر منظومة الكذب التى عاشت عليها الدولة الهيكلية كما أسماها، أى دولة الهياكل الفارغة. أتفق تماماً مع هذا التحليل العميق لكلمات الرئيس، وأتمنى أن يستمر هذا النهج فى خطابات الرئيس التى تتناول الأوضاع المعيشية المتدهورة للغالبية العظمى من المصريين، والتى هى ثمرة طبيعية لعهود من الاستبداد والفساد والحكم الفاشى الفاشل، وأتمنى حديثا مثله فى موضوع الطاقة الذى يلح بشدة هذه الأيام. لا شك أن موضوع أزمة الطاقة من الأمور التى تأتى على رأس أولويات المشاكل المتعددة المؤثرة على حياة الناس اليومية، وتمثل مشكلة الانقطاع المتكرر للكهرباء هذه الأيام واحتمالية استمرار الأزمة وتفاقمها الجزء الظاهر منها لعموم الناس نظراً للعجز الكبير فيما ننتجه منها، ومن هنا أرى ضرورة استمرار الرئيس فى كسر منظومة الكذب حول هذا الموضوع، وهى المنظومة التى مازالت متأصلة فى دولاب العمل الحكومى باعتبارها موروثاً بيروقراطياً لا يتصور هؤلاء الذين تربوا وترعرعوا فى عهود الفشل أنه يمكن الاستغناء عنها! ليس هناك حل ناجع لأزمة الطاقة فى مصر والمرشحة للتفاقم إلا بالاعتماد على المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء وغير ذلك هُراء.. هذا ما يؤكده العلماء ذوو الصلة بهذا الشأن كما قرأت وسمعت منهم شخصياً، بغض النظر عما يكتبه بعض من السادة الصحفيين والإعلاميين وغير المتخصصين، وبغض النظر عن نفر من العلماء العالمين ببواطن الأمور ويعرفون أن الضغوط الصهيو أمريكية لا تريد لمصر الدخول بجدية لعالم التكنولوجيا النووية، فيتماشون مع الموقف الأمريكى لأسباب لا يمكن لأحد أن يجزم بها. لقد قرأت منذ أيام مقالا حول الموضوع للطبيب الأديب الكبير محمد المخزنجى، به كما أخبرنى أحد علماء مصر الأفذاذ فى مجال المفاعلات النووية، أخطاء علمية ومعلومات مغلوطة.. وقبل ذلك صرح المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، أن إنشاء مفاعلات نووية فى منطقة الضبعة مازال تحت الدراسة وهو المشروع الذى تمت دراسته والبت فى كل صغيرة وكبيرة حوله منذ سنوات.. وتجرى فى الوقت نفسه محاولات إعلامية لإيهام بسطاء الناس بأن مالديهم من شمس ورياح كفيلان بتوفير ما نحتاجه من كهرباء وزيادة.. كل ذلك الكذب هو من أجل التمويه على حقيقة مُرة وهى أن أمريكا وربيبتها إسرائيل لا تريدان لمصر الولوج إلى العصر النووى وعلومه، ويبذلان فى سبيل ذلك كل مالديهما من وسائل ضغط وابتزاز، بما فى ذلك استخدام الإعلام وشراء الذمم وتسريب المعلومات المغلوطة! الغريب أن بلاداً عربية وغير عربية فى المنطقة تتعاقد وتقوم بالفعل بإنشاء مفاعلات نووية، وهاهو مفاعل «بركة» فى الإمارات سينتج الكهرباء بعد سنتين، وقرأت بصحيفة الأهرام يوم 17/9 خبرا عن أن مؤسسة الإمارات للطاقة النووية قد أعطت رخصة البدء فى تشييد مفاعلين إضافيين بإمارة أبوظبى تبلغ الطاقة الإنتاجية لكل منهما 1400 ميجاوات، ولا يخفى على أحد مالدى الإمارات من بترول وغاز وشمس ساطعة ورياح، وتتناقل الأخبار تعاقدات مماثلة فى السعودية والجزائر وغيرهما..
ويبقى السؤال الأهم: لماذا هو حلال على أى دولة وحرام على مصر؟ الإجابة يا سادة أنهم يخشون مصر.. أول دولة نووية فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا كما أراد الزعيم عبدالناصر لها بإرادة مستقلة.. مصر التى ينتشر أبناؤها فى أنحاء الأرض كعلماء هندسة نووية متميزين، خريجى قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية الذى تم إغلاقه بعد كامب ديفيد وعاد منذ سنين قليلة، هؤلاء العلماء على استعداد لتلبية نداء الوطن للعودة وبعث الروح العلمية من جديد بين شباب مصر الذى اتجه 70% من طلبته - وياللكارثة - إلى الدراسات الأدبية! السيد الرئيس.. هل نطمع فى كسر منظومة الكذب فى هذا المجال وتصارح شعبك الذى يثق فى شجاعتك واستقلاليتك وتتخذ القرار الذى ننتظره منذ زمن؟.. أتمنى ذلك.