تحت عنوان «(جهاد المناكحة) ورقة من نار لشياطين داعش»، نشرت صحيفة «الرياض» السعودية تقريرًا، الخميس، تحدثت خلاله عن استطاعة الجهات المعنية بالمملكة التصدي لـ«محاولة التغرير بأكثر من 210 نساء للالتحاق بالمنظمات والجماعات الإرهابية، بعد مناصحتهن وعدولهن عن الفكر الضال».
وأوضحت «الرياض» في تقريرها أن «تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية سعوا إلى محاولة توظيف العنصر النسائي داخل المملكة، نظرًا لما يلقاه من خصوصية واحترام من جميع شرائح المجتمع، للاستفادة منهن لأداء أدوار لوجيستية من جمع التبرعات المالية والتجنيد، والتي قابلتها قبضة أمنية حازمة من الجهات الأمنية ووعي اجتماعي بما يدار من مخططات لتوريط شباب وفتيات المملكة لأهداف معادية»..
وأضافت: «كانت إحدى صرعات التنظيمات الإرهابية الباطلة إطلاق جهاد حديث لاستدراج الفتيات تحت مسمى (جهاد المناكحة)، ما يظهر الفكر الضحل الذي وصلت له».
وتابعت: «بعد أن أسهمت المرأة في التنظيمات الإرهابية من الناحية اللوجستية والعسكرية للاستفادة منها في الدعم كإدارة المواقع وجمع المعلومات والمبالغ المادية تحت مظلة العمل الخيري من دون الحاجة إلى الالتحاق والتنفيذ، أو الالتحاق بالتنظيم بشكل فعلي، أصبحت ورقة محروقة لأداء نفس المهام، فبات اللعب على وتر الأطفال والمراهقين ورقة جديدة بيد شياطين الإرهاب و(داعش) لتسليط الأضواء الإعلامية عليهم، فأصبحت موضة استدراج الصغيرات تحت حجة جهاد المناكحة هي الذريعة الأخرى للفت الأنظار إلى التنظيمات الإرهابية ومحاولة إقناع الرأي العام بأنه باب من الجهاد، الذي لا يحتاج إلى القتال أو وجود محرم كما في السابق».
في الوقت نفسه، نقلت «الرياض» تصريحات المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء، الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، الذي شدد على «وجوب محاربة الخطباء لأصحاب الأفكار والجماعات المنحرفة كالإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات كـ(داعش) والنصرة».
ووصف مفتي السعودية، خلال كلمة له في ملتقى دور المسجد في تعزيز القيم الوطنية، مساء الأربعاء، بحضور تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض، الجماعات المتطرفة ك«داعش» بـ«الخوارج كونهم قتلوا المسلمين وسفكوا الدماء وانتهكوا الأعراض، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن «هذه الجماعات ليس لها علاقة بالإسلام وإنما هي من صنع أعداء الإسلام».
وناقشت «الرياض» مع اختصاصيين ومسؤولين أمنيين كيفية حماية الأطفال والفتيات من الانخراط في «المنظمات المشبوهة والدولة الشيطانية (داعش)، تحت مسمى جهاد المناكحة، بعد أن تورطت عدد من الفتيات في ذاك الجهاد المزعوم»، وفقًا لتعبيرها.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية، اللواء منصور التركي، إن «الجهات الأمنية تتعامل مع صغار السن بتدابير مختلفة، إذ يتم إيداع المخالفين منهم في دور الأحداث، لتلقي الرعاية اللازمة وتصحيح المفاهيم الخاطئة، التي تم التأثير عليهم بها»، مشيرًا إلى أن «نوعية الأحكام، التي تصدر بحقهم تعود للجهات العدلية وهيئة التحقيق العام والقضاء الشرعي».
وبيّن التركي أن «الترويج لجهاد المناكحة، أسلوب تتبعه التنظيمات الإرهابية لتجنيد النساء للانضمام إليها، لاستغلالهن في تربية الأطفال على منهج الخوارج، أو التنفيذ عمليات إرهابية انتحارية»، مؤكدَا أن «التنظيمات الضالة تستغل كل وسيلة تمكنها من الاستمرار في نهجها الضال، والترويج لفكرها، واستغلال كل من يمكن أن يكون أداة لها في تنفيذ جرائمها الإرهابية».
وقال إن «المتابعة الأمنية تؤكد فشل هذا الأسلوب في التأثير على المرأة السعودية، التي ترفض منهج الخوارج، والعمل الإرهابي، وتستنكر إصرار الفئة الضالة على الإساءة للمرأة المسلمة ومكانتها في الإسلام».
كما شدد على «دور المجتمع والأسرة في حماية أبنائها، خصوصًا من يكونون في مراحل عمرية مستهدفة من البنين والبنات، من الوقوع تحت تأثير الترويج للأفكار الضالة، وأن يمارس الجميع مسؤولياته التربوية لرعاية أبنائه وبناته ومتابعتهم، وتوجيههم بما يضمن عدم استغلالهم من فئات ضالة، سواء منظمات إرهابية أو حتى في قضايا المخدرات أو أي أمر مشبوه بشكل عام، فالطفل طفل إذا لم يجد رعاية ومتابعة أسرية فهو عرضة للاستغلال».
وحذر من «الأخطاء العفوية والممارسات الخاطئة، التي يمكن أن توحي للأطفال بمفاهيم منافية للأحكام الشرعية، أو تنّمي لديهم سلوكيات مخالفة للأنظمة».
في السياق نفسه، قال فهد البكران، المتحدث باسم وزارة العدل، إنه «في حال ثبت مشاركة الأطفال والمراهقين والمراهقات في التنظيمات، التي جرمتها الدولة فإنه يتم محاكمتهم عبر دوائر الأحداث القضائية في دور الأحداث ورعاية الفتيات، من دون الحاجة إلى محاكمتهم في المحاكم الجزائية أو إيداعهم في السجون العامة».
وأضاف «البكران»: «الوزارة حريصة على تصحيح مفاهيم هؤلاء الصغار، الذين عادة ما يكون مغرر بهم، فيتم محاكمتهم بطريقة تربوية تساعد على توجيههم وتقويم سلوكهم، إلى جانب إعطائهم الحق في إكمال دراستهم طوال فترة مكوثهم بداخل دور الملاحظة المهيأة لفئتهم العمرية».
ولفت إلى أن «توجيهات وزير العدل نافذة في سرعة البت في القضية وإعطاء الجلسة خصوصية لا يحضرها إلا من يرى القاضي ضرورة حضوره كولي الأمر للحدث»، إلى جانب الرفق بالصغير حال استجوابه والعمل على ما يبعث الطمأنينة في نفسه ويشعره بأن الهدف من محاكمته هو تقويمه وتوجيهه الوجهة الصالحة»، مشيراً إلى أن «صدور الحكم ببقاء الفتاة أو الحدث في دار الملاحظة يجب أن يتلاءم المكان مع العمر، وأن لا يختلطوا بمن يخشى أن يفسده باجتماعه معه».
بدوره، أفاد رئيس حملة السكينة بوزارة الشؤون الإسلامية السعودية، المختصة بمحاورة من يعتنق الفكر الضال المتطرف عبر الشبكة العنكبوتية، عبدالمنعم المشوح، بأن «90 في المئة من النساء السعوديات، اللواتي انخرطن في الإرهاب أو تعاطفن معه كان المحرك لتعاطفهن تأثرهن عبر الإنترنت من دون قناعات علمية أو شرعية»، لافتا إلى أن «تلك النسبة كانت من خلال محاورات الحملة في حين بلغت نسبة من تأثرن بمجتمعهن 60 في المئة و40 في المئة تأثرت عن طريق الإنترنت».
وأشار إلى «نسبة التراجع لدى النساء كبيرة، إذ بلغت لدى الرجال بين 25 و30 في المئة ممن تمت محاورتهم، أما النساء فتتراوح بين (45 و50 في المئة)، خاصة في السنة الأخيرة، كما أن المرأة أسرع تراجعًا إلى الحق بنحو أربعة أضعاف رجوع الرجل، في حين أن المرأة (المشغولة) سواء في بيتها أو عملها أو مشاركاتها العلمية أو العملية تقل نسبة وقوعها في الأفكار المنحرفة بنسبة 70 في المئة».
وأوضح المشوح أن «أعداد من تمت مناصحتهن من النساء تجاوزت 210 نساء»، مبينا أن «حملة السكينة تتعاطى مع الإنترنت بالظاهر، وليس من مهامها البحث والتقصّي والتفتيش في ما وراء الظاهر»، لافتاً إلى «دراسة إحصائية تشير إلى أن 40 في المئة من مواقع أصحاب الفكر المتطرف كانت تديرها نساء أعمارهن بين 18 و25 عاماً، وكان لهن الدور البارز في التأثير على الأخ أو الزوج ودفعه للانضمام إلى جماعات الفكر الضال مع تقديم الدعم المعنوي أو التقني لهذه التنظيمات».
وترى «الرياض» أنه «يمكن اعتبار ورقة (جهاد النكاح) بديلة بعد أن احترقت ورقة مشاركة المرأة اللوجستية، التي ارتكزت عليها المنظمات لعدة أسباب، منها صعوبة أداء، الرجال بمهام التنظيم نتيجة الحصار الأمني المكثف وتجفيف منابع الإرهاب».
ومضت كاتبة: «جميع الإرهابيين أصبحوا مستهدفين ومعروفين لدى الأجهزة الأمنية، إلى جانب حاجتهم إلى الأضواء والرغبة في إحداث ضجة إعلامية كبيرة بعد خفوت تلك التنظيمات والتضييق عليها وجفاف الكثير من منابعها، خاصة وأن جميع العمليات الإرهابية، التي كانت النساء طرفاً فيها أحدثت ردة فعل واهتمام إعلامي كبير، بالرغم من كون تلك العمليات في كثير من أحوالها لا ترتقي إلى الحد الذي يجعلها تحدث معه تلك الضجة إذا ما كان العنصر المرتكب لها غير أنثى».
وسلطت الضوء على «سهولة تجنيد السيدات عن طريق اللعب على وتر الانتقام لمقتل أحد ذويهن مثل الزوج أو الأب أو الأخ أو الابن الذي ما يكون غالباً عضواً في التنظيم، إضافة إلى سهولة وصولهن إلى الأهداف مقارنة بالرجال نظراً لنجاحهن في اجتياز الحواجز الأمنية دون تفتيش كون المرأة لا تثير الشكوك غالباً، مع سهولة اختلاق المرأة للأعذار كالحمل مثلاً، فتستطيع حمل قنبلة تصل إلى أكثر من خمسة كيلوات أو أن تضع حزاما ناسفاً حول قفصها الصدري وبالطبع سيصعب تفتيشها نظراً للأعراف والتقاليد المتبعة سيما في البلدان العربية والإسلامية».
وأضافت أنه «من أهم الأسباب كذلك عدم توافر عناصر أمنية نسائية مؤهلة بالشكل المطلوب، وهو الأمر الذي استفادت منه القاعدة في العراق فقامت بتجنيد نحو 60 انتحارية قمن بعمليات أودت بحياة آلاف العراقيين».
بدوره، اعتقد فضيلة القاضي عضو مجلس الشورى، الدكتور عيسى الغيث، أن «لا صحة لوجود ما يسمى جهاد المناكحة ولا وجود له في الواقع، وأن الذي لفقه وسوقه إعلامياً طائفة من غير السنة، ولكن جاء بعض السنة من الحاقدين على الإسلاميين فسوقوا له. وزاد أن جميع المتورطين في الخلايا الشيطانية وعلى رأسهم داعش تم تجنيدهم فكريًا في محاضن تنظيم السرورية المتوافق مع فكر القاعدة».
وتابع: «بالتالي يكون الشباب مهيئين لأي محرض لما يسمى الجهاد، فيأتي دور تويتر حيث التحريض للنفير، فتجد هذه الدعوات استجابة سريعة، لأن هناك الآلاف من الشباب المتشربين لهذا الفكر في محاضن السرورية في المدارس والجامعات والحلقات القرآنية والعلمية والمناشط الخيرية والدعوية، ثم يأتي دور تنظيم الإخوان عبر التحريض الإعلامي كفتوى النفير في القاهرة إبان حكم مرسي، فحينها يجد الشاب نفسه بعاطفته وحماسه وفكره الذي تربى عليه يهب للاستجابة لدعاوى النفير، وإذا لم نعرف ونعترف بهذه الأسباب الواقعية فلا أمل بالعلاج لهذه الظاهرة الخطيرة».
وشدد الغيث على «أهمية الندوات الفكرية والحملات الوطنية لصد كل تلك الظواهر»، فيما رأت «الرياض» أنه «يأتي توظيف النساء في العمل القاعدي المتزمت، بسبب حساسية وضعها اجتماعيا، إذ تحاط المرأة بسياج من الوقار، الذي يصل إلى درجة من الغموض، ومحاولة تخليصها دوما من الإشكالات الأمنية والقانونية، مراعاة للتقاليد العامة».
وفيما يخص إسهام الإعلام في الترويج لهذه المنظمات «الشيطانية»، قال الدكتور سلطان الحمزي، خبير الاستشارات الإعلامية والتدريب: «الإعلام هو أداة يستطيع الجميع استخدامها وتطويعها لتحقيق أهدافه وتسويق أفكاره، وباعتقادي أن التنظيمات المتطرفة ليس لديها الإمكانات ولا القدرات للاستفادة من الوسائل الإعلامية التقليدية كالصحف والتلفزيون والإذاعة، لذا ركزت جهودها على استثمار وسائل الإعلام الشبكي باعتبارها منعدمة الكلفة تقريبًا، وأسرع اتصالَا بالجمهور، إضافة للتواجد العربي الكثيف».
وأشار إلى أن «عدد متصفحي الإنترنت من العرب حسب بعض الإحصائيات تجاوز 86,1 مليون مستخدم، وهو ما يعني إمكان الاتصال والتواصل والتجنيد من خلال الشبكة العنكبوتية، خصوصًا أن بعض الإحصاءات الأكاديمية تشير إلى أن الفئة العمرية بين 15 و 29 عاما يشكلون 70 في المئة من المستخدمين العرب لوسائل التواصل الاجتماعي، إذن بالتأكيد وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام المتجدد واحدة من أهم قنوات الاستقطاب والتجنيد».
واختتمت «الرياض» تقريرها بالإشارة لما أعلنته وزارة الداخلية السعودية، حيث قبضت على «62 إرهابيًا متورطين في خلايا تنظيم مشبوه داخل المملكة، يستهدف تهريب النساء إلى الخارج عبر الحدود الجنوبية، والتخطيط لعمليات إجرامية ضد منشآت حكومية ومصالح أجنبية، واغتيالات لرجال أمن وشخصيات تعمل في مجال الدعوة ومسؤولين حكوميين»، موضحة أن «البناء التنظيمي لخلايا التنظيم أظهر اهتماماً بالغاً بخطوط التهريب، خاصة عبر الحدود الجنوبية، لتهريب الأشخاص والأسلحة مع إعطاء أولوية قصوى لتهريب النساء».