رغم تحول هذه العبارة المتسائلة التي يرد بها أنصار النظام في مصر مستنكرين على أي انتقادات للمسار الحالي، إلى نكتة على ألسنة المصريين، إلا أن كثيرين ممن يسخرون من هذه المقارنة يجدون فيها وجاهة ما، خصوصاً في ظل الجرعة المكثفة من مشاهد جزّ الرؤوس القادمة من «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق.
غير أن التدقيق أبعد قليلاً من مشهد اللحظة الحالية في سوريا والعراق، يكشف أن نهج النظام يقرب مصر أكثر إلى هذين السيناريوهين الذي يزعم أنه أنقذ مصر منهما. فأزمتا سوريا والعراق لم تظهرا فجأة مع الثورات التي يحلو لقطاع كبير من أنصار النظام تحميلها أزمات المنطقة في حين أنها لم تفعل سوى كشف عمق تجريف مجتمعات لم يكن يُبقي على تماسكها الهش سوى عقود من القمع.
الانهيار الكبير الذي نشهده في البلدين لم يكن بلا مقدمات، بل وُضعت بذوره حين تصور رجل أن مشروعه أكبر من الوطن. فعل هذا حافظ الأسد وصدام حسين حين ألغيا نواة دولة القانون والمؤسسات لحساب القائد والطائفة، وزجّا، كلٌ بمعارضيه، في المنافي أو السجون بتهم هزلية من عينة «إضعاف الشعور القومي».
ثم حين تصورا أن دولة قابلة للحياة يمكن أن تُبنى بإعلام الصوت الواحد وبرلمان الحزب الواحد. وسار سلفاهما على النهج نفسه، وإن تبدلت المواقع والشعارات.
شيءٌ من هذا يتكرر الآن في مصر. صحيح أننا لم نصل إلى المصير الحالي لسوريا أو العراق بفضل عوامل أهمها غياب التركيبة الطائفية المعقدة التي سهّلت الحرب الأهلية في البلدين. لكن استمرار نهج خنق المجتمع لمصلحة الدولة وتغييب التعدد السياسي لحساب صورة القائد الأوحد وهدم حكم المؤسسات لخدمة أهداف النظام، كلها مقدمات مجرّبة قادت إلى نتائج مفجعة في سوريا والعراق وغيرهما.
يكفي النظر إلى المحاكمات الجارية لخصوم النظام لمعرفة مدى إهداره دولة القانون واستخدامه مؤسسات العدالة في التنكيل بمعارضيه والتشهير بهم، كما جرى في محاكمة علاء عبدالفتاح حين عرضت النيابة على المحكمة مقاطع شخصية لا علاقة لها بالقضية من دون أن يعترض القاضي أو يمنح المتهم حق الرد.
وقبلها في أحكام الإعدام الجماعية. المزعج أن هذا السلوك يبدو قطيعة مع الحد الأدنى للشكليات المؤسسية التي كانت الدولة المصرية تحرص على الحفاظ عليها في عهود سابقة، ما يعكس استخفافاً كاملاً بالمجتمع.
ويسري هذا على إهدار استحقاقات يفرضها الدستور الذي صاغه النظام الحالي، آخرها مواعيد الانتخابات البرلمانية. مسخ الدولة على صورة الزعيم طريق آخر للانهيار.
فالرجل الذي لا يرى التماهي الإعلامي الحالي مع النظام كافياً ولم يطق انتقادات صدرت على استحياء لحكومته على خلفية أزمة انقطاع الكهرباء الأخيرة، لا يمكن تصوّر تقبله لرأي مخالف أو لصوت لا يكون مجرد صدى لترديد أفكاره.
المفارقة أن استخدام فزاعة سوريا سمعته للمرة الأولى من قيادي بارز في «الإخوان المسلمين»، حين سألته قبل عزل الرئيس السابق محمد مرسي بأيام عن تصوراته للمستقبل. لكن تجنب السيناريو كان ممكناً لو تفادى النظام تكرار أخطاء مرسي. بهذه المقدمات، تبدو الإجابة الأدق على السؤال الاستنكاري الشهير الذي لا ينتظر طارحه رداً: «لا. مش أحسن من سوريا والعراق»!
تويتر:@mohamedhani