x

طارق عباس الرشوة صناعة محلية طارق عباس الجمعة 12-09-2014 20:54


لم نسمع أن طفلا ولدته أمه مرتشيا، ولا أظن أن هناك مدرسة أو جامعة تخصصت فى تأهيل وتخريج المرتشين، ومع ذلك باتت الرشوة أبشع الأمراض التى يكتوى بها المجتمع المصرى، يمارسها الكبير والصغير دون خجل وبمبررات لا تقع تحت حصر، مرة باعتبارها بقشيش أو وهبة، وثانية حلاوة لأجل خاطر العيال، وثالثة تسهيل المأمورية والله حليم ستار، ورابعة يا عينى موظف غلبان مرتبه قليل جدا وهنيالك يا فاعل الخير والثواب، وخامسة البيه الكبير عايز كدة وسادسة وسابعة وثامنة حتى تحولت الرشوة بالتدريج من كونها جريمة يحاسب عليها القانون يتوارى من يمارسها خجلا وخوفا من العقاب إلى عادة مقبولة ومشروعة إما بحكم الصمت أو بالتماس الأعذار لمن يمارسونها أو بمباركة القطط السمان ممن لا يستطيعون الحياة إلا بتنفس هواء السلب والنهب واللصوصية، ورويدا رويدا بورك الكسب الحرام واعتبر نوعا من الفهلوة وبات الفهلويون «فلان بك وفلان باشا والحاج فلان والأستاذ فلان والدكتور فلان» هم من بيدهم الأمر والنهى يفعلون القانون على مزاجهم فيعطون لهذا ويمنعون عن ذاك وكله باسم القانون يا معلم، المهم فتح مخك تأكل جوز ولوز، فتأخذ شقة ليست من حقك وتبنى على الأرض الزراعية وتحول أراضى الاستصلاح لمنتجعات سياحية وتستولى على المحميات الطبيعية وترخص مصانع فى مناطق مأهولة بالسكان وتضع يدك على أملاك الدولة وتحصل على قروض بدون ضمانات وتأخذ موافقة أتخن وزير لو حتى على شراء العتبة الخضراء، ولما لا والحلال حرام والحرام حلال؟ ولما لا وأنا راض وأنت راض والمجتمع راض؟ ولما لا ومن يتقون الله فى وظائفهم وفى أموالهم هم فى نظر المجتمع أغبياء سذج خائبون طيبون، لا يعرفون التأليب ولا التهليب واللعب بالبيضة والحجر؟.

طبعا، ربما تقول لى عزيزى القارئ هذا الكلام كان يحدث قبل الثورة فقط لكننى أؤكد لك أنه يحدث بعد الثورة أيضا والرشوة هى هى والمرتشون تضاعفوا وكأنه لم يعد أحد يخشى شيئا، المجتمع راض بما فرضه على نفسه من قيم فاسدة والمرتشون قانعون بما فرضوه علينا وفى مثل هذه الأجواء أظن أنه لو استدعى المرحوم نيلسون منديللا من قبره ليغير فى فساد المجتمع المصرى فلن يستطيع أبدا أن يغير شيئا، لأن الثورة قبل أن تكون على الأشخاص وعلى السياسات يجب أن تكون على الذات فإذا لم يرفض كل منا الخطأ من داخله ويراقب نفسه ويعيد حساباته ويفكر قبل أن يفعل، فلن يستحى عندما يخطئ أو يرى الآخرين أخطاءه.

على فكرة لصوص الأمس كانوا أكثر شرفا لأنهم سرقوا ليأكلوا ويعيشوا بينما لصوص اليوم يسرقون طمعا فى الانتقال من الفلل والشقق الفاخرة إلى القصور الفارهة، من كونهم مليونيرات إلى مليارديرات، ستقول لى: لكن جميعهم لصوص، أقول: عندك حق إلا أن الأول كان يخاف المجتمع والثانى يخوف المجتمع، الأول كان يرتشى وأقدامه تتخبط فى بعضها البعض والثانى يتعاطى الرشوة دون حياء باعتبارها حقا من حقوقه دون أن يجرمه المجتمع.

إذن ليس العيب فى السارق وإنما فيمن غض الطرف عنه وهو يسرق، فيمن سمح بالرشوة كوسيلة مثلى فى إنجاز المهام وقضاء المصالح والاحتياجات، يا سادة العيب فى هذا المجتمع الذى كان حتى الأمس القريب مفطورا على القيم النبيلة والأخلاقيات الكريمة ثم تحول فى غيبة الرضى والقناعة إلى أكبر مدرسة لتربية وتعليم المرتشين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية