هل هذا معقول.. أن ترتدى حكومة شرف قميص وزير المالية السابق يوسف بطرس غالى.. وتتبنى تنفيذ قوانينه المسمومة؟
أنا شخصياً لا أتصور أن يخرج علينا الدكتور حازم الببلاوى، نائب رئيس الحكومة، ووزير ماليتها وهو يرتدى قميص سلفه فى حكومة النظام السابق.. مع أنه إلى وقت دخوله الحكومة كان واحداً من أبناء الشارع المصرى.. وكان يحس بأوجاعهم ويعرف جيداً أن قانون الضريبة العقارية، الذى اخترعه عبقرى زمانه يوسف بطرس غالى، وجد كراهية البيت المصرى.. ومن المؤكد أن الببلاوى نفسه كان ضمن ضحايا هذا القانون، رغم أنه كان ميسور الحال، لما كان يحققه من دخل شهرى عن عمله كخبير اقتصادى دولى يعمل مع بيوت الخبرة العالمية، ومع ذلك كان متضرراً من عبقرية غالى.. وأرجو ألا ينكر الدكتور الببلاوى أنه كان يتمنى أن يكون فى يوم من الأيام فى مكانه ليستعرض نبوغه الاقتصادى، وفى الوقت نفسه يكتسب محبة الشارع المصرى عندما يسحب قانوناً سيئاً مثل قانون الضريبة العقارية يطفئ به حالة الغليان التى أصابت البيت المصرى.. لكن للأسف لم يفعل بعد أن جلس على كرسى الوزير ومد رجليه.
ولا أعرف كيف هان على الدكتور الببلاوى أن يحن لقانون مكروه، بعد أن أعطتنا حكومته الأمل بإلغاء هذا القانون وغيره من القوانين سيئة السمعة بعد سقوط النظام.
وهنا أريد أن أسأل رئيس الحكومة.. من هى الشريحة التى ينوى أن يعاقبها بقانون الضريبة العقارية.. هل هم رجال الأعمال.. أم أصحاب الدخول التى تتعدى المليون؟ فإذا كان سيادته يميل إلى تصفية الحسابات معهم فيكفى ما أصابهم من جراء التدهور الاقتصادى الذى أصاب البلاد بسبب الانفلات الأمنى وهروب الاستثمار.. ثم هؤلاء نسبتهم كم فى هذه الشريحة.. فإذا كانوا عشرة فى المائة فما ذنب بقية الشرائح الأخرى.. ثم هل نضير الذين يقيمون فى شقق سكنية ورثوها عن أهاليهم وارتفعت قيمتها السوقية الآن، حتى نفرض عليهم ضريبة سنوية وهم لا يجدون مصاريف حياتهم اليومية؟ فالمجتمع المصرى يضم عوائل تمتلك مساكن إما عن طريق الميراث وإما أن يكونوا قد وضعوا مدخراتهم فيها أيام الرخاء ثم أصبحت لها قيمة الآن.. مع أن دخولهم الشهرية لا تكفى احتياجاتهم.. هل من المقبول أن نضيف إليهم ضرائب سنوية تحت ما يسمى الضريبة العقارية؟
المدهش أن أى حكومة تعرف جيداً أن فرض ضرائب فوق طاقة المواطنين يفتح باب المنازعات القضائية، فقد كان هناك اتجاه بالدفع بعدم دستورية هذا القانون أيام النظام السابق.. وقد ارتاحت الأعصاب بمجىء ثورة 25 يناير.
صحيح أن هناك عجزاً فى الموازنة العامة للدولة.. وأن المجلس العسكرى لا يريد أن تلجأ الحكومة إلى الاقتراض من البنوك العالمية أو صندوق النقد حتى لا يكون سبباً فى زيادة الدين الخارجى.. لكن ليس بالضريبة العقارية تنتهى المشكلة.. لأنه لو افترضنا تنفيذ هذا القانون.. فالذى يجب أن تعرفه الحكومة أن عائد الضريبة العقارية لا يدخل فى الموازنة العامة لأن هذا العائد المفروض أن يستثمر فى تحسين المرافق العامة المحيطة بالعقار أو المناطق الأخرى.
وقد تعددت الآراء حول عدم دستورية هذا القانون، فيقول الدكتور خالد طه- رئيس لجنة الضرائب بجمعية رجال الأعمال- إن هذا القانون غير دستورى، لأن قانون الضرائب العامة الذى صدر عام 2005 فرض ضرائب على الدخل من العقارات المبنية، هذا بالإضافة لقانون 56 لسنة 1954 الذى لا يزال العمل به مستمراً.
ورأى آخر يؤكد أن أى تشريع جديد بغرض فرض ضرائب على العقارات يزيد من الأعباء المادية على المواطنين، فضلاً عن حالة الركود فى قطاع البناء والإسكان والتدهور الشديد الذى أصاب هذا القطاع.. ولا نعرف ماذا سيحدث بعد المخاوف التى تهدد حياة المقاولين الآن من الارتفاع الجنونى المتوقع فى أسعار الحديد.. بعد سحب رخص الحديد من الشركات الأربع لتنفيذ حكم محكمة الجنايات.. إن السوق العقارية مصابة بحالة شلل.. فما بالك بالعقارات التى أصبحت مثل «بيت الوقف».. ومن يتجول فى المدن الجديدة يرى أشباحاً من العمارات ولم يسكنها أحد.
وهنا يأتى سؤال لحكومة الدكتور شرف.. أو لشرف نفسه.. هل دخل معاليه لم يتأثر بعد أن استقر فى القاهرة وترك العمل فى دبى.. وهل راتبه كرئيس حكومة بعد إلغاء الامتيازات والإكراميات التى كان يحصل عليها سلفه يكفيه لسد احتياجاته وسداد الضريبة العقارية الجديدة.. ربما يكون معفياً منها بحكم القانون على اعتبار أنه لا يملك شقة تمليكاً ويسكن بالإيجار.. لكن الذى أعرفه عن مساكن أساتذة الجامعة بالدقى أنها مملوكة للأساتذة، ولأنه واحداً منهم فسوف يدفع الضريبة فى حالة إقرارها مجبراً أو مكرهاً، وساعتها سيعرف أن الله حق بعد أن يترك الكرسى.. وسوف يكون نادماً على ارتدائه قميص يوسف بطرس غالى.