x

عزت القمحاوي الخبز.. منظومة الكوميديا السوداء عزت القمحاوي الإثنين 08-09-2014 21:13


تحتاج المجتمعات إلى السلطة لتسيير الحياة، وتحتاج إلى المسرح لتلطيفها. وفى المجتمعات الليبرالية قد تمتلك الدولة أو لا تمتلك المسارح، وفى الأنظمة الشمولية تمتلك الدولة المسارح. وفى الأنظمة البزرميط تنهار المسارح ويهجرها الجمهور وتحترف السلطة التمثيل. والسلطة عندنا لم تحترف أى تمثيل والسلام، بل احترفت نوعًا واحدًا من الإنتاج المسرحى وهو الكوميديا السوداء، التى تتضمن أكبر قدر من السخرية والهجاء للشعب.

وأقوى العروض المستمرة، من موسم إلى موسم هو عرض «منظومة الخبز» وهذا تعبير لا أسمعه إلا وأشعر بالإهانة، حتى لو سمعته ألف مرة فى اليوم. والمشاهد قوى الذاكرة يعرف أن التعبير أقدم من 30 يونيو و25 يناير. كان يلعلع به صوت صفوت الشريف الجهورى، واعدًا بالقضاء المبرم على أزمة الرغيف، لكنه ذهب وبقيت الأزمة!

وفى بلد لا يعرف معنى الحسابات، لا يمكن أن نتوصل إلى معرفة المبلغ الذى تم إهداره على إنشاء أكشاك الخبز التى تحولت أوكارًا ليلية، ولا على عربات توزيع الخبز التى تعثر مستخدموها عن السداد وانتهوا فى السجون، ناهيك عن أن كل تلك العمالة غير ضرورية. ورغم كل تكاليف المنظومة لم تحل المشكلة، وكان ثلث أسباب الثورة من نصيب «منظومة الخبز» لأن شعار الثورة لو يذكر السادة الممثلون كان: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية».

الآن، لا يوجد وزير إعلام مهيمن، يتولى التصريح نيابة عن الرئيس والوزير والخفير، وصار كل وزير معلقًا من عرقوبه، وصارت منظومة الخبز مسؤولية وزير العيش والجرايات. وصارت الأخبار تتوالى عن بدء منظومة الخبز فى هذه المحافظة أو تلك، ثم تتبعها أخبار الارتياح والانشكاح أو الشكوى والصياح من تعقد الأحوال وتفاقم المشكلات.

وفى بلد يكره الحسابات، لا يمكن أن نحصى حجم الخسارة الجديدة التى يتكبدها جهاز الدولة الإدارى من أجل مراقبة صرف الخبز على بطاقات التموين، ومراجعة ما تركه المستهلك القنوع وصرف حوافز وجوائز بديلة عن الرغيف المتروك. لكننا ببساطة يمكن أن نتوقع حجم الخسارة السياسية والاقتصادية من جراء توزيع الرغيف على البطاقات، لأن ذلك يعنى أننا دولة مفلسة وفى أحسن الظروف شيوعية تكره الاستثمار!

وليس هناك أبسط ـ حتى لا أقول أتفه عن نعمة الله ـ من رغيف الخبز لكى يأكله المواطن بلا تعقيدات، ولو خصصت الحكومة شرطيًا لكل رغيف تخبزه فستستمر سرقة الرغيف. والحل الوحيد هو فى كف الحكومة عن التمثيل والتحول إلى العمل طبقًا للمنطق الاقتصادى.

والمنطق يقول إن أى حل لا يتضمن خفض سعر كيلو العلف الحيوانى عن سعر كيلو القمح لن يُكتب له النجاح، وسيستمر التحايل للحصول على الخبز أو القمح لإطعام المواشى والطيور، بالرغم من الفخامة الكوميدية الجوفاء لمنظومة الخبز. وخفض سعر العلف يتطلب مضاعفة الكمية وهذا ممكن إذا تعاونت هيئات البحث فى وزارات التعليم العالى والزراعة والصناعة والصحة من أجل استغلال مخلفات الإنتاج الزراعى من القش وبذور الفاكهة والطحالب وورد النيل. وبهذا تكون الحكومة قد تصرفت كـ«منظومة» ويصبح للكلمة الفخيمة معنى جادًا وليس كوميديًا.

فى وداع خالد السرجانى:

فجعت كالكثيرين بالرحيل المفاجئ للكاتب الصحفى خالد السرجانى. ولا يتطلب الأمر أن يكون المرء صديقًا للسرجانى كى يدرك حجم الخسارة، يكفى أن يعرف حجم التدهور فى مهنتنا ليدرك معنى حرمان القراء من قلم عارف، مستقيم، وواضح لا يقيده خوف ولا تزيغه مطامع.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية