نيوتن.. ظلم الفراعنة زاهي حواس الإثنين 08-09-2014 21:29

حاولت كثيراً أن أعرف من هو نيوتن الذى يكتب فى «المصرى اليوم» فسألت صديقى صلاح دياب، محاولاً فك اللغز، لكنه استغرق فى الضحك وقال: كل ما أستطيع قوله عن نيوتن أنه من عشاق الفراعنة ويقتنى أغلب كتبك.. أما عن سبب محاولتى معرفة شخصية نيوتن؟ فهو ما كتبه فى معرض حديثه عمن يسرقون أعمال الآخرين ويدعون بطولات مزيفة.. وذكر أن الفراعنة كانوا يفعلون ذلك بمحو أسماء من سبقوهم ووضع أسمائهم بدلاً منها!.

والحقيقة أن هذا الموضوع ليس له أى أساس من الصحة وأن هناك خطأ شائعا أن الفراعنة كانوا متخصصين فى إزالة أسماء من سبقوهم من ملوك من على التماثيل وجدران المعابد والمقابر ووضع اسم الملك الموجود فى الحكم... وسبب انتشار هذا الاعتقاد هو العثور على اسم الملك رمسيس الثانى مكتوب على تماثيل وآثار فراعنة آخرين.. وقد أعلن بعض علماء الآثار والمصريات تحديداً أن ما قام به رمسيس الثانى يعد اغتصاباً لأعمال فراعنة آخرين ورغبة منه فى الانتشار والشهرة على حساب أعمال من سبقوه! ولكن أثبتت الحقائق التاريخية والأثرية أن الملك رمسيس الثانى لم يكن لديه الرغبة إطلاقاً فى محو آثار من سبقوه.

إن الفراعنة حكموا من خلال أسرات يحكم فيها الابن بعد أبيه بل وبعد جده وكان من عادة الفرعون أن يتباهى ويؤكد نسبه إلى الفرعون الذى سبقه وبعد موته أصبح مع الآلهة يحكم معهم فى العالم الآخر.

وكان الفرعون إذا مات ولم تكتمل مقبرته ومعبده الجنائزى أصبح واجباً على خليفته على العرش أن يشرف بنفسه على مراسم دفنه بعد استكمال المقبرة والمعبد الجنائزى وكان من واجبات الملك الحى ضمان استمرارية الخدمة الجنائزية للفرعون الميت.. ولدينا مثال واضح عندما مات الملك منكاورع، صاحب الهرم الثالث بالجيزة، ولم يكتمل هرمه بعد، وجدنا ابنه الملك شبسكاف يقوم باستكمال الهرم والمعابد ويكتب ما يشير إلى ذلك.

وقد كان المصريون القدماء من أشد الناس حرصاً على الحفاظ على تراث الأجداد، سواء كان تراثاً ملموساً أو تراثاً فكرياً. وقد لازمت خاصية المحافظة على التراث ومسايرة الجديد للقديم دون أن تقضى عليه الحضارة المصرية فى كل أغوارها وفى كل مظاهرها، فقد توارث هذه الحضارة أجيال عديدة من المصريين القدماء وكانت تلك المظاهر راسخة داخل عقيدة المصريين القدماء ونحس بداخلهم شعور عميق بضرورة المحافظة على كل ما هو قديم لأنه جزء من تراث الأجداد.

ومن أهم ما يشهد على ذلك هو ما جاء على لسان الوزير «بتاح حوتب» الذى عاش فى كنف الأسرة الخامسة حوالى 260 قبل الميلاد حيث قدم لنا أقدم الحكم والتعاليم عن تراث السلف «أن ذكراهم لترجى على ألسنة الناس... لأن أقوالهم سديدة كل كلمة فيها تراث موروث.. لا تذهب واحدة منها سدى على هذه الأرض»... وأطلب من نيوتن أن يزور أبوالهول ليقرأ على لوحة الحلم بأن الملك تحتمس الرابع قام بإصلاح ما تلف من التمثال عندما تعرض للتدمير.. أما عن السبب الذى جعل رمسيس الثانى يضع اسمه على آثار ليست ملكه فهو ما سنفسره فى مقالنا القادم بإذن الله وللحديث بقية.