الشرطة المصرية التى كانت العمود الفقرى للديكتاتورية والتى هُزمت بالضربة القاضية من ثورة الشعب المصرى، تحاول لملمة نفسها فى الأيام الأخيرة، بعد أن فقدت رأسها وتخشى أن تفقد كبار رجالها.
لقد هزمت الثورة جهاز أمن الدولة بأكمله، بغرف تعذيبه، ولواءاته ومبانيه الآمنة، وسراديبه الموصولة تحت الأرض، وجرائمه المعروفة فى حق الشعب والوطن والإنسانية، وفوق ذلك قانون الطوارئ الذى لم يعمل أى ضابط شرطة بدونه فى تاريخه المهنى.
لقد تم تعذيب المصريين بطرق جهنمية وخطفهم وإخفاؤهم وربما قتلهم داخل هذا الجهاز، الذى يماثل فى التاريخ جستابو ألمانيا وسافاك إيران.
لابد من بناء جهاز شرطة عصرى، كما حدث فى الجيش بعد 1967، والاعتماد على الشرفاء منهم، ولابد من التحقيق بالطرق الحديثة وليس بإلقاء القبض على الآلاف وتعذيبهم حتى يعترف أحدهم بجريمة قد يكون ارتكبها وقد لا يكون ارتكبها.
لقد نسى الكثير من رجال الشرطة فى العقود الثلاثة الماضية أن وظيفة ضابط الشرطة هى حماية المواطن واحترامه، وقد نسى كيف يقوم بإجراء تحريات بالطرق الحديثة فاعتمد على قانون الطوارئ وأصبح مشابهاً لشرطة عصر المماليك، فلابد من وقف جميع المسؤولين عن الاستخدام المفرط للقوة أثناء الأحداث، ومحاكمتهم هى شىء لابد منه، لأن دم أكثر من ثلاثمائة شهيد لن يذهب هدراً، خاصة الذين أعطوا الأوامر بضرب الشباب بالخرطوش والرصاص المطاطى فى الوجه، مما أدى إلى إصابة آلاف الشباب بإصابات متفاوتة فى العيون أدت إلى فقدان البصر.
يوجد فى العالم كله أجهزة لأمن الدولة للحماية من الجواسيس والإرهابيين ولحماية الشعب من أى تدخل خارجى، لكن ليست وظيقة أمن الدولة أن يراقب وينظم العمل فى الجامعة، وليست وظيفته أن يدير نقابة الصحفيين وحزبى الوفد والتجمع وملف الأقباط، ولا مؤسسة القضاء المحترمة العظيمة، ولا القنوات الفضائية، ولا منع مواطن شريف من السفر دون سبب قانونى..
فقد قام أمن الدولة باختيار معاونين له من العاملين فى جميع مؤسسات الدولة يتجسسون على زملائهم، وأفسد الشباب والطلاب، توطئة لالتحاقهم بالحزب الوطنى، وتحكم فى أقدار كل شىء وأدى ذلك إلى انهيار قدرة مصر التنافسية بعد أن أصبح عملاء أمن الدولة هم الوزراء والكبار والمحظوظين.
يجب خروج أمن الدولة فوراً ودون إبطاء وبصفة نهائية من كل المنظمات الوطنية المصرية التى أوقف أمن الدولة قدرتها على البحث والعمل والتقدم، وقام الأمن باختيار قياداتها من خيرة الفاشلين والمنتفعين، فضاعت الجامعة وتدهور القضاء واختفت النقابات المهنية والعمالية تحت أقدامه، وتم سحق المصريين فأُهدرت الطاقات الخلاقة وطُمست مواهب المصريين.
قرأنا فى الصحف أن وزير الداخلية تفقد فلول الأمن المركزى، فى محاولة لإعادة تنظيمها، ويجب أن يتم تقليص حجم الأمن المركزى الذى يقال إنه حوالى مليون، على أن تتكون وحدات مكافحة الشغب الحديثة قليلة العدد التى لا تقف أمام المتظاهرين أو تحيطهم وإنما تكون فى مكان قريب، فتتدخل فقط فى حالة حدوث تعد على الممتلكات، وتُسرّح الأعداد الهائلة من المجندين فى حالة عدم رغبة الجيش فى تجنيدهم.
ولابد من إنشاء جهاز رقابة مدنى على وزارة الداخلية له صلاحيات واسعة، ويستحسن أن يكون وزير الداخلية شخصية مدنية.
يجب أن يتوقف فوراً تعيين ضباط الشرطة فى وظائف القضاء والنيابة، ويجب أن يعود تقرير الأمن العام الذى كان موجوداً منذ أيام الإنجليز وتم إلغاؤه فى السنوات الأخيرة، وذلك لطمس الأعداد الرهيبة من الجرائم التى توضح عدم كفاءة الشرطة، ويجب فوراً إعادة تأهيل بعض ضباط الشرطة فى الأقسام أو تنحيتهم جانباً، ويجب أن يتم فوراً التوقف عن تلبيس قضايا إلى أبرياء، مما أدى إلى سجن آلاف المظلومين.. وبالرغم من وجود ضباط شرطة شرفاء فإنهم أقلية.
يجب أن يلغى قانون الطوارئ فى أقرب وقت ممكن ويعاد نظام قاضى التحقيق ويتم تغيير طريقة اختيار النائب العام، حتى يكون بواسطة المجلس الأعلى للقضاء، ويتم إبعاد سلطة وزير العدل عن القضاء فوراً حتى يعرف وكيل النيابة أن سلطته هى الأعلى والأعظم، وعلى ضابط أمن الدولة أن يلبى طلباته وأوامره وأن تعود للنيابة حقها فى التفتيش على السجون والأقسام وأمن الدولة،
وأن يستعيد الطب الشرعى أمانته ويتوقف عن فبركة التقارير الطبية بأوامر الشرطة، وأن يتعلم ضباط الشرطة مبادئ حقوق الإنسان وينفذوها، وأن تتوقف العلاقة المريبة بين بعض رجال الشرطة والمجرمين وقطاع الطرق التى ظهرت على نطاق واسع عندما اشتركوا سوياً فى تدمير وحرق مصر وفتح السجون أيام الثورة.
ولنتذكر جميعاً أن ميزانية الداخلية ثلاثة أضعاف ميزانيتى الصحة والتعليم مجتمعتين!
لن ينصلح حال مصر إلا إذا أصبحت الشرطة هى التى تحمى المواطن فى بيته وفى الشارع وفى مظاهرته، وقد طالبت منذ عدة سنوات بأن يقوم المصرى، وقد قام فعلاً.. وعليه أن يستمر حتى تتحقق مطالبه كاملة.