x

أحمد الشهاوي مع ابن عربى.. داعش هُم الإخوان والسلفيون أحمد الشهاوي السبت 06-09-2014 21:49


الجاهلُ من يحرقُ لا من يُحاججُ، والدَّعىّ هو من يُصادرُ لا من يُناقشُ بالعقلِ والمنطقِ، مُقدِّمًا الأدلةَ والحِججَ والبراهينَ، وكونك تختلفُ مع كتابٍ لا يعنى أن تحرقَهُ وتحرقَ صاحبه، أو تحرقهما معًا، كأنَّ من يُقدِمُ على حرقِ الكتبِ يعلنُ دونَ مواربةٍ أنَّ «كتب أعدائنا هى أعداؤنا».

وما حدث من داعش فى أمرِ جمع كُتب ابن عربى «المدفون فى دمشق» وحرقها أمرٌ ليس جديدًا على الأمَّةِ العربيةِ الإسلاميةِ، التى سبق لها أن حظرتْ كتابَه الأشهر «الفتوحات المكية» الذى أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب، حيث رأى الإخوان «فى برلمانهم الخصوصىّ بالمشاركةِ مع السلفيين» أنَّ ابن عربى صوفىٌّ مُتطرفٌ، ونسوا أنَّه لولاه ما حمل «رئيسهم» محمد مرسى، اسم مرسى، لأنَّ ابن عربى الأندلسى وُلد فى مرسية التى ينطقها الإسبان الآنَ مُرثية، وقد اشتهر اسم مرسى فى مصر فقط، بسبب مجىء أبى العباس المرسى «توفى سنة 686 هجرية» تلميذ أبى الحسن الشاذلى، ونحن فى مصر نقدِّمُ الاسمَ المنسُوبَ إلى المدينةِ على اسم العلم فنقولُ المُرسى أبوالعباس.

الإخوان لم ينتبهوا إلى ذلك لأنَّهم لا يقرأونَ ولا يفقهُونَ تاريخَ التصوف ولا تاريخَ الأندلس، حيثُ الأهم عندهم أن يُكفِّروا ويُلفتوا الانتباهَ والأنظارَ، خُصوصًا فى مجالِ الثقافةِ والفُنونِ، ولا ينتبهون إلى الجوهرىّ من مُشكلاتِ العصر، وما أكتبهُ مثبتٌ فى مضابطِ البرلمان، ولا آتى بجديدٍ من عندى فيما يتعلَّقُ بتقديم طلبِ إحاطاتٍ فى البرلمان، لمصادرةِ الكُتب، والمطالبةِ بعدم تداولها، ومن هذه الكتب كتابى «الوصايا فى عشق النساء» بجزأيه اللذين صدرا فى عامى 2003 و2006، وقد خرجتُ من هذه المحنة كافرًا كفرًا صريحًا بشهادةٍ من الإخوان وفتويين من الأزهر معا.

وما فعله الإخوانُ، والسلفيون، والمُتشدِّدون من مختلفِ الجماعاتِ والفِرَقِ الإسلاميةِ مع ابن عربى فعلته داعش، وما أكثر الدواعش فى مصر والبلدانِ العربيةِ الآنَ وقبل الآنَ، إذ يروْن الكُتبَ عدُوًّا لهم، وهى بالفعل عدُوٌ للأحمقِ والجاهلِ وصاحبِ الدماغِ الجائعةِ الجوفاء من أيةِ معرفةٍ أو علمٍ، وعادةً ما يكونُ ردُّ فعلِ هؤلاء الأسرع هو حرق الكتبِ أو حرق أصحابها أو حرقهما معًا، والتاريخ الإسلامى ممتلئ حدَّ الخجلِ بمحارقَ كثيرةٍ فى العُصُور الأمويةِ والعباسيةِ والأندلسيةِ، وحتَّى العصور الحديثة.

وفى عام 2009 تقدم عددٌ من جُهلاء الإخوان، وقد اعتادوا هذا النهجَ التكفيرىّ الإقصائىّ، بطلبِ إحاطةٍ يطلبونَ فيه عدم استكمالِ نشرِ وتحقيقِ الفُتوحات المكيَّة، مستندينَ إلى قرارِ مجلس الشعب فى فبراير من عام 1978 الوارد فى مضبطةِ الجلسةِ السابعةِ والثلاثين، والتى تشير إلى حظْرِ الترويجِ لفكرِ الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى «1165- 1240 ميلادية- 558- 638 هجرية»، أو الاحتفاء به.

كأنَّ مصرَ التى كاد ابن عربى أن يغتالَ فيها قبل سبعةِ قرونٍ، تغتاله ثانيةً على يد دواعش مصر- الإخوان والسلفيين.

لهؤلاء جميعًا يمكنُ أن أسوقَ آلافَ الأدلة التى تُبرِّئ ابن عربى من محاولاتهم النيلَ منهُ لصالحِ أفكارٍ ومُعتقداتٍ أخرى تكرهُ التصوفَ والمتصوفةَ، وتحطُّ منهم كالوهابيةِ مثلا والسلفيةِ على تعدُّد أشكالها.

لكنَّنى سأدلُّ الدواعشَ الجُدد والقُدامى على كتابِ الإمام جلال الدين السيوطى «المُتوفَّى سنة 911 هجرية» صاحب تفسير الجلالين، الذى تعتمده السلفيةُ مرجعًا- «تنبيه الغبى فى تبرئةِ ابن عربى»، ولا أظنُّهم سيكفِّرونَ السيوطىّ ويرونه زنديقًا ومُهرطِقا، كونُه شهد لمحيى الدين وبرَّأه ووصفَ منتقديه ومُكَفريه بالأغبياءِ، وهم عندى كذلك بالفعل، إذْ لم أجد من بينهم من هو متخصصٌ أو عارفٌ أو دارسٌ أو حتى قارئ للتصوفِ والفلسفةِ الإسلاميةِ، بل هم يمنعونَ تدريسَ الفلسفةِ فى المدارسِ والجامعاتِ، ويروْنَها من أرجاسِ الشياطين.

ابن عربى الذى كان أعلمَ وأورَعَ أهلِ زمانه وألزمهم للسنَّة وأعظمهم مُجاهدةً يُكفَّر ثانيةً بعد طولِ تكفيرٍ لتفكيرِهِ من أناسٍ لا حكمةَ لهُم ومن ثم لا حُكم لهُم، ومن بشَرٍ لا معرفةَ لديهم ومن ثم لا عِلمَ لهُم.

ابن عربى الذى كان دومًا فى حياته متبُوعًا لا تابعًا فى كلِّ بابٍ يطرُقُه، صارت كتبه تُحرَقُ من تابعينَ ينعمُونَ فى الجهلِ وينقعُونَ أنفسهم طواعيةً فى بحارِ البلادةِ.

دواعش العصر يتبعون ابن تيمية فى فتواه التى رأتْ كتابَ ابن عربى «فُصوص الحكم» كُفْرًا باطنًا وظاهرًا، وظلَّتْ تنتقلُ من جيلٍ إلى آخر دُون أن تموتَ الفتوى أو تتجاوزَها العُصورُ والعُقُول.

وهذا هو ابن عربى فى تقدمتِهِ لكتابِهِ الأشْهر «الفُتوحات المكية» يقولُ قولا لا يُمْكنُ لمُسلمٍ عاقلٍ راشدٍ أن يرميَهُ أبدًا بالكُفْرِ:

«...الله تعالى إلهٌ واحدٌ، لا ثانى لهُ وألوهيته مُنزَّهةٌ عن الصاحبةِ والولد، مالكٌ لا شريكَ لهُ ملك لا وزير له، صانعٌ لا مُدبِّر معه، موجُودٌ بذاته من غير افتقارٍ إلى موجد يوجده، بل كل موجود سواه مفتقر إليه تعالى فى وجوده فالعالم كله موجود به، وهو وحده متصف بالوجود لنفسه، ليس بجوهر متحيز فيقدّر له مكان ولا بعرض فيستحيل إليه البقاء ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء، مقدس عن الجهات والأقطار، مرئى بالقلوب والأبصار، إذا شاء استوى على عرشهِ كما قاله وعلى المعنى الذى أراده كما أن العرشَ وما سواه به استوى، وله الآخرةُ والأولى، ليس له مثل معقول ولا دلَّتْ عليه العقولُ، لا يحده زمانٌ ولا يقله مكانٌ بل كان ولا مكان وهو على ما عليه كان، خلق المتمكن والمكان وأنشأ الزمان وقال: أنا الواحدُ الحى لا يئودُه حفظُ المخلوقات ولا ترجعُ إليه صفة (كم) يكون عليها من صنعة المصنوعات، تعالى أن تحله الحوادث أو يحلها أو تكون بعده أو يكون قبلها بل يقال كان ولا شىء معه فإن الله قبل والبعد من صيغ الزمان الذى أبدعه فهو القيومُ الذى لا ينامُ والقهَّارُ الذى لا يرام ليس كمثله شىءٌ».

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية