مساء الأحد 9 أكتوبر 2011، كنت ثالث ثلاثة، أنا وأسامة سلامة (رئيس تحرير روزاليوسف)، وجميل عفيفى (مساعد رئيس تحرير الأهرام ) فى صحبة أسامة هيكل (وزير الإعلام)، وتخلف محمد جمال الدين (رئيس مجلس إدارة روزاليوسف) عن السهرة التى كنا نقضيها أسبوعيًا فى ركن قصى، على مقهى «فرح» فى مدينة نصر.
لم يكن هناك ما يعكر صفو الليلة الجلسة سوى توتر بادٍ على الوزير هيكل بفعل المظاهرات أمام ماسبيرو، وفجأة اتصل جمال الدين متسائلا: أسامة هيكل معاك؟.. قلت: فيه إيه؟.. قال: كارثة، التليفزيون هيولع البلد، العساكر المضروبة بتصرخ على الهواء وبتقول الأقباط موتونا، والمذيعة لازم تخرج الكاميرا بره من عند المصابين، البلد هتولع.
أعطيت هيكل الموبايل، وما إن سمع من جمال الدين، حتى اتصل بمسؤول الأخبار طالباً إخراج الكاميرا فوراً من عند الجنود المصابين، وإبلاغه بما يبث ويقال على الشاشة، وبدأ فى إجراء مجموعة من الاتصالات بقادة المجلس العسكرى الحاكم آنذاك، محذراً من خطورة الأمر الذى استشفه من مجمل الاتصالات التى أجراها، ونحن يومئذ صامتون وكأن على رؤوسنا الطير.
لم يكن مطروحًا عودة هيكل إلى مبنى ماسبيرو فى هذا الظرف الدموى الخطير، ولم يكن قادراً حتى على مغادرة مكانه من سيول الاتصالات التى تتوالى، غادرناه بعد وقت حزين طال، وغادر هو إلى منزله القريب بعد ضبط الشاشة التى كانت هتولع البلد فعلا.
هذه شهادتى أمام الله، وشهادة يقف عليها حرفيًا (أسامة سلامة وجميل عفيفى ومحمد جمال الدين)، وأشهد أن هيكل لم يكن محرضاً، ولا مسؤولاً عما قيل من تحريض سافر على الشاشة ضد المسيحيين، وحاول بكل ما استطاع من اتصالات أن يوقف النزيف على الهواء، لكن الوقت لم يسعفه، وسالت الدماء غزيرة، أغرقت أسامة، وصار هيكل فى نظر المسيحيين محرضاً ومتهماً.
ورغم أن الآباء الكهنة، وعلى رأسهم البابا شنودة، استقبلوه معزياً بعدها بأيام، فإن التهمة لاتزال عالقة فى رقبته، وتتجدد كلما ظهر اسمه كاتباً صحفياً أو تسند إليه مناصب أو وظائف، يستثار المسيحيون ويعلقون له المشانق على الفيس وتويتر، يناصبونه العداء بالمقالات وهو من دماء ماسبيرو براء.
معلوم المجالس أمانات، وهيكل لم يكتب، ولم يشأ أن أكتب ليلة ماسبيرو لمرات، وهو من قرر الابتعاد تماماً عن المشهد والمناصب، والآن وبعد الحملة الظالمة على هيكل والتى تجددت بسبب اختياره رئيساً لمجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامى، كان حرياً أن أتخارج من العهد، وأشهد الله على ما أقول، وأسامة سلامة وجميل عفيفى ومحمد جمال الدين شهود عدول.